وقيل : إنّ التقدير أفمن شرح الله صدره للاسلام كمن قسى قلبه من ذكر الله (١) . وحاصل المعنى والله أعلم : أنّه كما لا يستوي النور والظّلمة والعلم والجهل ، لا يستوي من على النور ومن على الظّلمة.
قال بعض العامة : نزلت في حمزة بن عبد المطلب ، وعلي بن أبي طالب عليهالسلام (٢) .
وقال القمي : نزلت في أمير المؤمنين (٣) .
﴿فَوَيْلٌ﴾ وهلاك ﴿لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ﴾ والغليظة أفئدتهم الحاصلة تلك القوة ﴿مِنْ ذِكْرِ اللهِ﴾ ولأجله ، فانّ النفوس الخبيثة والأرواح الظّلمانية تزيد خبثها وكدورتها بسماع ذكر الله ، كما أنّه في القلوب المنورة والصدور المنشرحة يزيد تنورا وانشراحا واطمئنانا ، ولذا قال سبحانه : ﴿أُولئِكَ﴾ المتّصفون بقساوة القلب ﴿فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ وانحراف واضح عن طريق الحقّ وسبيل الخير ، بحيث لا يشكّ فيه من له أدنى شعور وإدراك. قيل : إنّه نزل في أبي لهب وولده (٤) .
﴿اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ
يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ
مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٢٣)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد بيان كون من له شرح الصدر على نور وهداية عظيمة من ربّه ، بيّن أعظم وسائل الهداية بقوله : ﴿اللهُ نَزَّلَ﴾ بلطفه بعباده لهدايتهم إلى كلّ خير ﴿أَحْسَنَ الْحَدِيثِ﴾ وأطيب الكلام من حيث الفصاحة والبلاغة ، والملاحة والحزانة ، وحسن الأسلوب والاشتمال على العلوم الكثيرة والحكم الوفيرة والمعارف والمواعظ النافعة ، والقصص المنبّهة ، وأحوال الامم الماضية ، وكيفيات الآخرة ، إلى غير ذلك ممّا لا يدانيه كتاب من الكتب السماوية ، فضلا عن غيرها ، ومع ذلك يكون ﴿كِتاباً مُتَشابِهاً﴾ متماثلة (٥) آياته في الفصاحة والبلاغة والإعجاز وصحة المعنى ، والدلالة على الحقّ ، واستتباع المنافع الدنيوية والأخروية ﴿مَثانِيَ﴾ ومكررات مواعظة وعبرة ، وقصصه وأمثاله ، ووعده ووعيده. وقيل : يعني مكررة (٦) تلاوته مع عدم ذهاب رونقه وعدم زوال لذّة قراءته واستماعه ، مع أنّ
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٦ : ٢٦٦.
(٢) تفسير الصافي ٤ : ٣١٩ ، تفسير أبي السعود ٧ : ٢٥٠ ، تفسير روح البيان ٨ : ٩٦.
(٣) تفسير القمي ٢ : ٢٤٨ ، تفسير الصافي ٤ : ٣١٩.
(٤) تفسير روح البيان ٨ : ٩٦.
(٥) في النسخة : ومتماثلا.
(٦) في النسخة : مكرر.