رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللهِ لا
يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ (٢٠)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد بيان سوء حال المشركين وحسن حال الموحّدين ، بيّن عدم تأثير الدعوة الى التوحيد في قلوب المصرّين على الإشراك ، وعدم الفائدة في إتعاب النبي صلىاللهعليهوآله نفسه الشريفة في ترغيبهم إلى الإيمان بقوله : ﴿أَ فَمَنْ حَقَ﴾ ووجب ﴿عَلَيْهِ﴾ بسوء فطرته وخبث طينته ﴿كَلِمَةُ الْعَذابِ﴾ ووعده من الله تعالى بقوله : ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ*﴾(١) إلى آخره. أنت يا محمد تهديه إلى الحقّ وتسوقه إلى الجنة ﴿أَ فَأَنْتَ﴾ يا نبي الرحمة ﴿تُنْقِذُ﴾ وتخرج ﴿مَنْ﴾ تمكّن ﴿فِي النَّارِ﴾ منها ؟ ! لا والله لا تهدي من أضله الله ، ولا تخلّص من النار من جعله الله من أصحابها ، فلا تتعب نفسك الزكية في دعوتهم ، ولا تحزن على عدم إيمانهم.
ثمّ لمّا بيّن استحقاق المشركين للعذاب ، استدرك حال المتّقين بقوله : ﴿لكِنِ﴾ المؤمنون ﴿الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ﴾ واحترزوا من الشّرك والعصيان ﴿لَهُمْ﴾ مع كونهم آمنين من العذاب ﴿غُرَفٌ﴾ في الجنة ﴿مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ﴾ اخرى ﴿مَبْنِيَّةٌ﴾(٢) نحو بناء المنازل على الأرض في الرصانة والاستحكام ، كلّها من درّ وياقوت وزبرجد.
عن الباقر عليهالسلام : « سأل علي عليهالسلام رسول الله صلىاللهعليهوآله عن تفسير هذه الآية : بماذا بنيت هذه الغرف يا رسول الله ؟ فقال : يا علي ، تلك الغرف بناها الله لأوليائه بالدّرّ والياقوت والزّبرجد ، سقوفها الذهب ، محبوكة بالفضة ، لكلّ غرفة ألف باب من ذهب ، على كلّ باب منها ملك موكّل به ، وفيها فرش مرفوعة بعضها فوق بعض من الدّيباج بألوان مختلفة ، وحشوها المسك والعنبر والكافور ، وذلك قول الله : ﴿وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ﴾ » (٣) .
ثمّ أكّد سبحانه وعده للمتقين بقوله : ﴿وَعْدَ اللهِ﴾ الذي وعده ﴿لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ﴾ لقبح خلف الوعد عليه.
﴿أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ
زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً إِنَّ فِي ذلِكَ
لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٢١)﴾
__________________
(١) الأعراف : ٧ / ١٨ ، هود : ١١ / ١١٩.
(٢) لم يذكر بقية الآية وهي : تجري من تحتها الأنهار.
(٣) تفسير القمي ٢ : ٢٤٦ ، الكافي ٨ : ٩٧ / ٦٩ ، تفسير الصافي ٤ : ٣١٨.