وقيل : يعني عن ناحية الحلف واليمين ، فانّ روساءهم كانوا يحلفون لأتباعهم المستضعفين أن ما يدعونهم إليه هو الحقّ المبين ، فكانوا يثقون بأيمانهم (١).
وقيل : إنّ المراد أنّكم كنتم تخدعوننا ، وتوهمون لنا أنّ دعوتكم إيّانا ليست إلّا نصرة الحقّ وتقوية للصدق (٢) . فأجابهم الرؤساء و﴿قالُوا﴾ لهم : ما أجبرناكم على الكفر وأضللناكم عن الايمان ﴿بَلْ لَمْ تَكُونُوا﴾ في الدنيا ﴿مُؤْمِنِينَ﴾ حتى تقولوا إنّا صرفناكم عن الايمان ﴿وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ﴾ شيء ﴿مِنْ سُلْطانٍ﴾ وقهر وإجبار يسلب به اختياركم ﴿بَلْ كُنْتُمْ﴾ في الدنيا ﴿قَوْماً﴾ وجمعا ﴿طاغِينَ﴾ على الله باختياركم ، ومصرّين على العصيان بشهوة أنفسكم ﴿فَحَقَ﴾ وثبت ولزم ﴿عَلَيْنا﴾ في اليوم ﴿قَوْلُ رَبِّنا﴾ ووعيده بالعذاب على الكفر والعصيان ، لعدم جواز خلف الوعد عليه ، فاليوم ﴿إِنَّا لَذائِقُونَ﴾ طعم ذلك العذاب باستحقاقنا ، ولمّا كنتم راغبين الى الكفر ﴿فَأَغْوَيْناكُمْ﴾ ودعوناكم إليه من غير إكراه وإجبار ، فاستبجبتم لنا باختياركم وهوى أنفسكم ، فليس لكم حق الاعتراض علينا ﴿إِنَّا كُنَّا غاوِينَ﴾ وضالّين عن الحقّ ، فأحببنا أن تكونوا أمثالنا في الغواية والضّلال.
﴿فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ * إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ * إِنَّهُمْ
كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَيَقُولُونَ أَ إِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ
مَجْنُونٍ * بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ * إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ *
وَما تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٣) و (٣٩)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد حكاية تخاصم الرؤساء والأتباع ، أخبر عن سوء حالهم في جهنّم بقوله : ﴿فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ﴾ ودخول النار والابتلاء بالشدائد ﴿مُشْتَرِكُونَ﴾ لاشتراكهم في الغواية والضلال والعصيان.
ثمّ بيّن سبحانه عدله وحكمته في تعذيبهم بقوله : ﴿إِنَّا كَذلِكَ﴾ الفعل الفضيع ، ومثل هذه المعاملة الهائلة ﴿نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ﴾ ونعامل معهم لإنكارهم التوحيد والرسالة والمعاد ، كما نبّه سبحانه عليه بقوله : ﴿إِنَّهُمْ كانُوا﴾ في الدنيا ﴿إِذا قِيلَ لَهُمْ﴾ بطريق النّصح والعظة والدّعوة إلى التوحيد. قولوا : ﴿لا إِلهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ ويتأنّفون عن القول به ، ويتعصّبون لآلهتهم ، ويصرّون على الشّرك ﴿وَيَقُولُونَ﴾ في جواب الداعي إلى التوحيد والقائل به وهو النبي الامّي صلىاللهعليهوآله الآتي بالقرآن : ﴿أَ إِنَّا لَتارِكُوا﴾ عبادة ﴿آلِهَتِنا﴾ وأصنامنا اتّباعا ﴿لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ﴾ حيث إنّه يدّعي خلاف ما وجدنا عليه
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٦ : ١٣٤.
(٢) تفسير الرازي ٢٦ : ١٣٤.