إذا قصدوا الصعود إليها ، ليكون القذف والرمي بالشّهب ﴿دُحُوراً﴾ وطردا لهم عنها.
وقيل : إنّ التقدير يدحرون دحورا (١) . قيل : إنّ الدّحور هو الطّرد مع أشدّ الصّغار والذّلّ (٢).
﴿وَلَهُمْ﴾ في الآخرة مضافا إلى عذابهم في الدنيا بالشهب ﴿عَذابٌ واصِبٌ﴾ ودائم بالنار.
القمي رحمهالله : أي دائم موجع قد وصل إلى قلوبهم (٣) . وقيل : إنّ الرجم بالشّهب عذاب دائم لهم(٤) .
قال المفسّرون : إنّ الشياطين كانوا يصعدون إلى قرب السماء ، فلمّا سمعوا كلام الملائكة ، وعرفوا به ما سيكون ، وكانوا يخبرون الكهنة به ، ويوهمونهم أنّهم يعلمون الغيب ، فمنعهم الله تعالى من الصّعود إلى قرب السماء بالشّهب (٥) ، فلا يسمع شيطان كلام الملائكة ﴿إِلَّا مَنْ خَطِفَ﴾ من الشياطين ، واختلس كلام الملائكة ، وأخذه بسرعة ﴿الْخَطْفَةَ﴾ الواحدة ، واختلاسا فاردا ﴿فَأَتْبَعَهُ﴾ بالفور ولحقه بسرعة ﴿شِهابٌ ثاقِبٌ﴾ وشعلة مضيئة من النار غاية الإضاءة ، كأنّها تثقب بنورها الجوّ ، وهو يحدث في النجوم ثم ينفصل منها ، كما ينفصل السهم من القوس ، فكون النجوم رجوما من جهة كونها سببا لرمي الشّهب ، لا أن نفس النجوم تصير شهبا ، لوضوح أنّ النجوم لا تنقص بالشّهب ، والقول بأنّ الكواكب قسمان : قسم باق في الملك مدى الدهر ، وقسم حادث لا يبقى ، وهو الحادث بتصاعد الأجزاء الأرضية مع الأبخرة واحتراقها بالقرب من الأثير ، أو باشتعال الهواء القريب من الأثير بالحركة ، خلاف القرآن العظيم ، لظهوره في كون تلك الكواكب التي تكون زينة للسماء تكون حفظا ورجوما للشياطين.
قال قتادة : جعل الله النجوم لثلاث : زينة للسماء ، ورجوما للشياطين ،وعلامات يهتدى بها (٦).
روي عن ابن عباس ، أنه قال : بينما رسول الله صلىاللهعليهوآله جالس في نفر من أصحابه ، إذ رمي بنجم ، فقال صلىاللهعليهوآله : « ما كنتم تقولون لمثل هذا في الجاهلية ؟ » فقالوا : يموت عظيم ، أو يولد عظيم. فقال صلىاللهعليهوآله : إنّه لا يرمى لموت أحد ولا لولادته ، ولكن الله إذا قضى أمرا يسبّحه حملة العرش ، ويقول أهل السماء السابعة لحملة العرش : ماذا قال ربّكم ؟ فيخبرونهم ، فيستخبر أهل كلّ سماء أهل سماء ، حتى ينتهي الخبر إلى سماء الدنيا ، فتخطفه الجنّ فيرمون ، فما جاءوا به على وجهه فهو حقّ ، ولكنّهم يزيدون ويكذبون ، فما ظهر صدقه فهو من قسم ما سمع من الملائكة ، وما ظهر كذبه فهو من قسم ما قالوه منه(٧) .
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٦ : ١٢٣.
(٣) تفسير القمي ٢ : ٢٢١ ، وتفسير الصافي ٤ : ٢٦٥ عن الباقر عليهالسلام.
(٤) تفسير أبي السعود ٧ : ١٨٥.
(٥) تفسير الرازي ٢٦ : ١٢٠.
(٦) تفسير روح البيان ٧ : ٤٥٠.
(٧) تفسير روح البيان ٧ : ٤٤٩.