عن الصادق عليهالسلام : « أمّا الجدال بالتي هي أحسن ، فهو ما أمر الله نبيّه صلىاللهعليهوآله أن يجادل من جحد البعث بعد الموت وإحياءه له ، فقال عزوجل حاكيا عنه : ﴿وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ﴾ الآية ، فأراد من نبيّه صلىاللهعليهوآله ان يجادل المبطل الذي قال : كيف يجوز أن يبعث هذه العظام وهي رميم ! قال : ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ،﴾ أفيعجز من ابتدأه لا من شيء أن يعيده بعد أن يبلى ؟ بلى ابتداؤه أصعب عندكم من إعادته.
ثمّ قال : ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً﴾ أي إذا كمنت النار الحارة في الشجر الأخضر الرّطب ، ثمّ يستخرجها ، فعرّفكم أنّه على إعادة من بلي أقدر. ثمّ قال : ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ﴾ الآية ، أي إذا كان خلق السماوات والأرض أعظم وأبعد في أوهامكم وقدركم أن تقدروا عليه من إعادة البالي ، فكيف جوّزتم من الله خلق هذا الأعجب عندكم ، والأصعب لديكم ، ولم تجوّزوا منه ما هو أسهل عندكم من إعادة البالي ؟» (١) .
﴿إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ
كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٢) و (٨٣)﴾
ثمّ بيّن سبحانه كمال قدرته على إيجاد كلّ شيء من الأشياء بلا حاجة إلى إله ومعاون وعدّة مدّة بقوله تعالى : ﴿إِنَّما أَمْرُهُ﴾ عزّ شأنه ﴿إِذا أَرادَ﴾ وشاء أن يكون المعدوم ﴿شَيْئاً﴾ موجودا عظيما كان أو حقيرا ، جليلا كان أو دقيقا ﴿أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ﴾ وأن يريده بالإرادة التكوينية ﴿فَيَكُونُ﴾ ويوجد من غير ريث وتأخير.
عن أمير المؤمنين عليهالسلام : « إنّما كلامه سبحانه فعل [ منه ] أنشأه ، قال يقول لا بلفظ ... ويريد ولا يضمر» (٢) .
وعن الرضا عليهالسلام : « ﴿كُنْ﴾ منه تعالى صنع ، وما يكون به المصنوع» (٣) .
وإنّما عبّر عن إرادته بقول : ﴿كُنْ﴾ تمثيلا لتأثير قدرته وإرادته تعالى فيما أراد وجوده بأمر المطاع للمأمور المطيع في سرعة حصول المأمور به من غير توقّف على شيء ما ، لوضوح أنّه لا يكون هنا قول ولا أمر ولا مأمور ، إذ لا معنى لأمر المعدوم أن يوجد نفسه.
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان كمال ذاته ، وبيان قدرته الكاملة على الإنشاء والإعادة وعدم تخلّف مراداته
__________________
(١) الاحتجاج : ٢١ ، تفسير الصافي ٤ : ٢٦٢.
(٢) نهج البلاغة : ٢٧٤ الخطبة ١٨٦ ، تفسير الصافي ٤ : ٢٦٢.
(٣) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ١٧٣ / ١ ، تفسير الصافي ٤ : ٢٦٢.