عن إرادته ، علّم الناس تنزيه ذاته المقدّسة وتسبيحه بقوله تبارك وتعالى : ﴿فَسُبْحانَ﴾ الإله القادر ﴿الَّذِي بِيَدِهِ﴾ وبإرادته وقدرته ﴿مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ ووجود جميع الموجودات وجميع الممكنات ، فانّ كلّ موجود مركب عن جزء ملكي وهو الماهية ، وجزء ملكوتي وهو وجوده.
وقيل : إنّ المراد نزّهوا الله الذي تحت قدرته ملك كلّ شيء وضبطه وتصرّفه عمّا وصفوه به من العجز ، وتعجّبوا ممّا قالوه في شأنه من النّقصان (١) .
وقيل : إنّ ملكوت الشيء ما يقوم به من الأرواح والملائكة (٢) .
﴿وَإِلَيْهِ﴾ وحده أيّها الناس ﴿تُرْجَعُونَ﴾ بعد الموت للحساب وجزاء الأعمال.
عن الباقر عليهالسلام : « من قرأ سورة يس في عمره مرّة كتب الله له بكل خلق في الدنيا وبكلّ خلق في الآخرة وفي السماء بكلّ واحد ألفي ألف حسنة ، ومحا عنه مثل ذلك ، ولم يصبه غرم ولا هدم ولا نصب ولا جنون ولا جذام ولا وسواس ولا داء يضرّه ، وخفّف الله عنه سكرات الموت وأهواله ، وولي قبض روحه ، وكان ممّن يضمن الله له السّعة في معيشته ، والفرح عند لقائه ، والرضا بالثواب في آخرته ، وقال الله لملائكته أجمعين من في السماوات ومن في الأرضين : قد رضيت عن فلان ، فاستغفروا له» (٣).
وعن الصادق عليهالسلام : « إنّ لكلّ شيء قلبا ، وإنّ قلب القرآن يس » (٤) .
أقول : لعلّ وجهه أنّ القلب به حياة الشيء ، ولمّا كانت سورة يس مصدّرة بذكر خاتم النبيين صلىاللهعليهوآله ورسالته ، وكانت حياة القرآن بوجوده وبعثته ، صارت السورة بمنزلة القلب للقرآن.
وقيل : إنّ وجهه أنّ صحّة الايمان بالاعتراف بالحشر والحشر مقرّر في هذه السورة بأبلغ وجه (٥) .
وقيل : إنّ وجهه أنّه ليس فيها إلّا تقرير الاصول الثلاثة (٦) بأقوى البراهين ، فانّه تعالى ابتدأها بالرسالة بقوله تعالى : ﴿إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ ودليلها ما قدّمه عليه من قوله ﴿وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ وما أخرّه عنه من قوله : ﴿لِتُنْذِرَ قَوْماً﴾ وختمها ببيان التوحيد والحشر بقوله تعالى : ﴿فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ إشارة إلى التوحيد ، وبقوله : ﴿إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ إشارة إلى الحشر ، ومن حصّل هذه الثلاثة فقد حصّل نصيب قلبه ، وهو التصديق بالجنان.
إلى أن قال : فلمّا لم يكن فيها إلّا أعمال القلب سمّاها قلبا ، ولهذا ورد أنّ النبي صلىاللهعليهوآله ندب إلى تلقين
__________________
(١) تفسير روح البيان ٧ : ٤٤٢.
(٢) تفسير الصافي ٤ : ٢٦٣.
(٣) ثواب الاعمال : ١١١ ، تفسير الصافي ٤ : ٢٦٣.
(٤) مجمع البيان ٨ : ٦٤٦ ، تفسير الصافي ٤ : ٢٦٣.
(٥) تفسير الرازي ٢٦ : ١١٣ ، تفسير روح البيان ٧ : ٤٤٢.
(٦) تفسير الرازي ٢٦ : ١١٣.