بقوله : ﴿وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ﴾ والكلام المنظوم المزخرف المنسوج المبنيّ على التخيّلات والوهميّات ﴿وَما يَنْبَغِي﴾ ولا يصلح ﴿لَهُ﴾ ولا يليق به الشعر والكلام الموزون المركّب من الأوهام والأكاذيب ، لرفعة مقام النبوة عنه ، بل ﴿إِنْ﴾ هذا الكتاب الذي اتي به محمّد صلىاللهعليهوآله وما ﴿هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ﴾ وعظة من الله للعالمين ، وهداية للمهتدين ﴿وَقُرْآنٌ﴾ وكتاب سماويّ ﴿مُبِينٌ﴾ وظاهر أنّه من الله الحكيم ، أو فارق بين الحقّ والباطل ، وموضح للعلوم والحكم والأحكام ، وإنّما أنزله الله تعالى ﴿لِيُنْذِرَ﴾ محمد صلىاللهعليهوآله ويخوّف بالعذاب على الشّرك والعصيان ﴿مَنْ كانَ حَيًّا﴾ وعاقلا فيهما منوّر الفكر والقلب ﴿وَ﴾ لئن ﴿يَحِقَّ الْقَوْلُ﴾ ويثبت بإيضاح الحقّ وإتمام الحجّة الوعد بالعذاب ﴿عَلَى﴾ القوم ﴿الْكافِرِينَ﴾ المصرّين على المعاندة للحقّ ، فانّه بتمامية الحجّة عليهم يستحقّون العذاب وتنجيز الوعد به.
﴿أَ وَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ * وَذَلَّلْناها
لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَ فَلا
يَشْكُرُونَ (٧١) و (٧٣)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد إثبات نبوة النبيّ صلىاللهعليهوآله وصدق كتابه ، عاد إلى إثبات التوحيد بقوله : ﴿أَ وَلَمْ يَرَوْا﴾ قيل : إنّ التقدير ألم يتفكّروا ولم يعلموا (١) ؟ ﴿أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ﴾ ولانتفاعهم ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا﴾ وصنعت قدرتنا بغير إعانة الغير ومشاركته ﴿أَنْعاماً﴾ وأموالا راعية من الإبل والبقر والغنم والمعز اللّاتي فيها فوائد كثيرة ﴿فَهُمْ لَها مالِكُونَ﴾ وعليها مسلّطون ، وفيها متصرّفون ﴿وَذَلَّلْناها﴾ وسخّرناها بقدرتنا ﴿لَهُمْ﴾ بحيث لا تستعصي عليهم في شيء ممّا يريدون بها ، فانّ الابل والبقر مع عظمهما وقوّتهما يقودهما طفل صغير ﴿فَمِنْها رَكُوبُهُمْ﴾ ومركوبهم يقطعون عليها المسافات البعيدة ﴿وَمِنْها يَأْكُلُونَ﴾ لحمها وشحمها ﴿وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ﴾ كثيرة اخر غير الركوب والأكل ، كالجلود ، والأصواف ، والأشعار ، والأوبار ، والنتائج والحمل والحرث ﴿وَمَشارِبُ﴾ من الألبان ﴿أَ فَلا يَشْكُرُونَ﴾ المنعم بالإقرار بتوحيده والقيام بطاعته ؟ !
﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ * لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ
جُنْدٌ مُحْضَرُونَ * فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٤) و (٧٦)﴾
__________________
(١) تفسير روح البيان ٧ : ٤٣٣.