مؤصل لكم إلى كلّ خير وسعادة.
﴿وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَ فَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ * هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ
تُوعَدُونَ * اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ
وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٦٢) و (٦٥)﴾
ثمّ بالغ سبحانه في تقريعهم ، وبيّن أنّ خلافهم لم يكن منحصرا بنقض عهدي ، بل كان به وبعدم اتعاظهم بما شاهدوا وعلموا من العقوبات النازلة على الامم السابقة بطاعتهم الشيطان بقوله : ﴿وَلَقَدْ أَضَلَ﴾ الشيطان ﴿مِنْكُمْ﴾ أيّها المجرمون ﴿جِبِلًّا﴾ وخلقا ﴿كَثِيراً﴾ فأصابهم لأجل ذلك ما أصابهم من العقوبات الهائلة التي ملأ الآفاق أخبارها ، وبقي مدى الدهر آثارها ﴿أَ فَلَمْ تَكُونُوا﴾ قيل : إنّ التقدير أكنتم تشاهدون آثار عقوباتهم فلم تكونوا ﴿تَعْقِلُونَ﴾ وتفهمون أنّها لضلالهم وطاعتهم الشيطان ، فترتدعوا عنها كيلا يحيق بكم العقاب ؟ ! (١)
ثمّ أنّه تعالى بعد تقريع المجرمين ، أراهم نتيجة ضلالتهم بقوله : ﴿هذِهِ﴾ النار الموقدة التي ترونها هي ﴿جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ﴾ في الدنيا ﴿تُوعَدُونَ﴾ هاو تهدّدون بها على ألسنة الرسل في أزمنة متطاولة.
قيل : ثمّ يقادون إلى شفيرها (٢) ثمّ يقال لهم : ﴿اصْلَوْهَا﴾ وألقوا أنفسكم فيها ، وقاسوا حرّها ﴿الْيَوْمَ﴾ الذي يكون يوم المجازاة ﴿بِما كُنْتُمْ﴾ في الدنيا ﴿تَكْفُرُونَ﴾ بالله وبرسله.
عن أبي هريرة ، قال : أوقدت النار ألف عام فابيضّت ، ثمّ اوقدت النار ألف عام فاحمرّت ، ثمّ اوقدت ألف عام فاسودّت فهي سوداء كالليل المظلم ، وهي سجن الله تعالى للمجرمين (٣) .
ثمّ لوى سبحانه الخطاب إلى الغيبة إيذانا بأنّ ذكر أحوالهم الفظيعة مقتضية للإعراض عنهم ، ثمّ حكى أحوالهم القبيحة لغيرهم بقوله : ﴿الْيَوْمَ﴾ نمنعهم من التكلّم ، كأنّا ﴿نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ﴾ فلا يقدرون على النّطق ﴿وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ﴾ وتعترف
جوارحهم ﴿بِما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ في الدنيا ويعملون من السيئات والقبائح ، وذلك حين عاينوا صحائف أعمالهم ، وأنكروا شركهم وسيئاتهم.
عن أنس ، قال : كنّا عند رسول الله صلىاللهعليهوآله فضحك ، فقال : « أتدرون مم ضحكت ؟ » قلنا : الله ورسوله أعلم. قال : « من مخاطبة العبد ربّه يقول : يا رب ألم تجزني (٤) من الظّلم ؟ يقول : بلى. فيقول : ما أجيز عن
__________________
(١) تفسير روح البيان ٧ : ٤٢٣.
(٢) تفسير أبي السعود ٧ : ١٧٦ ، تفسير روح البيان ٧ : ٤٢٤.
(٣) تفسير روح البيان ٧ : ٤٢٤.
(٤) في تفسير روح البيان : تجرني.