﴿مُتَّكِؤُنَ﴾ ومعتمودن على النّمارق.
ثمّ أنّه تعالى بعد ذكر نعمة انسهم بأزواجهم ، واستغراقهم في الراحة ، وتمكّنهم على السّرر التي هي أحسن المجالس ، وفراغهم من جميع المشاغل ، بيّن مأكولهم في الجنة بقوله : ﴿لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ﴾ وأغذية لذيذة غاية اللذّة ، بلا اضطرار لهم إلى أكلها من جهة تألّمهم بالجوع وضعف القوى وإصلاح المزاج ﴿وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ﴾ ويشتهون من المأكولات اللّذيذة والأشربة الطيبة.
قيل : إنّ المراد لهم ما يدعون الله أن يعطيهم فيستجيب دعاءهم (١).
وقيل : لهم ما كانوا يدعونه في الدنيا من الجنّة ودرجاتها (٢) ونعمها ، وعلى أيّ تقدير يكون في قوله : ﴿لَهُمْ﴾ دلالة على كون الفاكهة وغيرها من النّعم ملكا لهم وتحت سلطنتهم واختيارهم.
ثمّ ختم سبحانه ذكر نعمه على المؤمنين بذكر أعلاها بقوله : ﴿سَلامٌ.﴾ قيل : إنّ التقدير سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار (٣)﴿قَوْلاً﴾ كائنا ﴿مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ بالمؤمنين عطوف بعباده الصالحين.
قيل : إنّ ﴿سَلامٌ﴾ بدل من ﴿ما يَدَّعُونَ﴾ والمعنى لهم سلام (٤) وتحيّة ، يقال لهم قولا من جهة ربّ رحيم بواسطة الملك أو بدون واسطة مبالغة في تعظيمهم (٥) .
في الحديث : « بينما أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع نور فرفعوا رؤوسهم ، فاذا الربّ تعالى قد أشرف عليهم من فوقهم ، فيقال : السّلام عليكم يا أهل الجنة ، فذلك قوله : ﴿سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ فينظر إليهم وينظرون إليه ، فلا يلتفتون إلى شيء من النّعم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم ، ويبقى نوره وبركته عليهم »(٦).
أقول : المراد من إشرافه عليهم ظهور رحمته الخاصة بالخلّص (٧) ، وتجلّي النور الخاصّ الذي هو من آثار رضوانه ، ومن نظره إليهم إدامة ذلك التجلّي ، ومن نظرهم إليه محوهم فيه.
القمي ، قال : السّلام منه هو الأمان (٨).
وقيل : إنّه كلام منقطع عمّا قبله ، ويكون ذلك إخبارا منه تعالى لنا في كلامه ، فانّه لمّا بيّن كمال حسن حالهم قال : ﴿سَلامٌ﴾ عليهم كما قال : ﴿سَلامٌ عَلى نُوحٍ﴾ و﴿سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ﴾ و﴿سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ﴾ فهو إحسان على عباده المؤمنين كإحسانه على المرسلين (٩) ، وإنّما وصف ذاته
__________________
(١) تفسير روح البيان ٧ : ٤١٨.
(٢) تفسير البيضاوي ٢ : ٢٨٥.
(٣) تفسير روح البيان ٧ : ٤١٩.
(٤) تفسير الرازي ٢٦ : ٩٤.
(٥) تفسير روح البيان ٧ : ٤١٨.
(٦) تفسير روح البيان ٧ : ٤١٨.
(٧) في النسخة : بالخلّصين.
(٨) تفسير القمي ٢ : ٢١٦ ، تفسير الصافي ٤ : ٢٥٧.
(٩) تفسير الرازي ٢٦ : ٩٤.