وَيْلَنا﴾ ويا هلاكنا احضر في هذا الوقت ، آن وقت حضورك ، ثمّ لمّا يوهموا أنّهم كانوا نائمين ، ثمّ تيقّظوا قالوا تعجبّا : ﴿مَنْ بَعَثَنا﴾ وأقامنا ﴿مِنْ مَرْقَدِنا﴾ ومنامنا ؟ ثمّ التفتوا إلى وعد الرسل بالبعث بعد الموت فقالوا : ﴿هذا﴾ البعث من القبر والحياة بعد الموت هو ﴿ما وَعَدَ﴾ نا به ﴿الرَّحْمنُ﴾ في الدنيا بلسان الرسل ﴿وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ في إخبارهم عن الله بالعالم الآخرة والحساب والجزاء ، وقلنا لهم استهزاء متى هذا الوعد ؟
وقيل : إنّهم لمّا قالوا : ﴿مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا﴾ أجابهم الملائكة والمؤمنون : إنّ هذا البعث ليس التيقّظ من النوم ، بل هو ما وعده الرحمن (١) .
عن الباقر عليهالسلام ، قال : « إنّ القوم كانوا في القبور ، فلمّا قاموا حسبوا أنّهم كانوا نياما ، قالوا : ﴿يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا﴾ قالت الملائكة : ﴿هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ » (٢) .
وعن الصادق عليهالسلام ، قال : « كان أبو ذرّ يقول في خطبة : وما بين الموت والبعث إلّا كنومة نمتها ، ثمّ استيقظت منها» (٣) .
﴿إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ * فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ
نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي
شُغُلٍ فاكِهُونَ (٥٣) و (٥٥)﴾
ثمّ بيّن سبحانه سهولة إحيائهم وإحضارهم في محضر عدله بقوله : ﴿إِنْ كانَتْ﴾ النفخة الثانية للخلق ، وما صدرت من إسرافيل ﴿إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً﴾ غير محتاجة إلى الثانية ﴿فَإِذا هُمْ﴾ بتلك الصيحة من غير لبث ما ﴿جَمِيعٌ﴾ ومجموع ﴿لَدَيْنا﴾ وفي موقف الحساب ﴿مُحْضَرُونَ﴾.
ثمّ أعلن سبحانه بعدله في المجازاة بقوله : ﴿فَالْيَوْمَ﴾ الذي حضرتم أيّها الناس عندنا لجزاء الأعمال ﴿لا تُظْلَمُ﴾ من قبلنا ﴿نَفْسٌ﴾ من النفوس مؤمنة كانت أو كافرة بنقص الثواب أو زيادة العقاب ﴿شَيْئاً﴾ يسيرا ، ولو كانت مثقال ذرّة ﴿وَلا تُجْزَوْنَ﴾ أيّها الكفار والفجّار ﴿إِلَّا﴾ جزاء ﴿ما كُنْتُمْ﴾ في الدنيا ﴿تَعْمَلُونَ﴾ من الكفر والعصيان ، وأمّا المؤمنون ، فانّهم يجزون اليوم بما لم يعملوا فضلا ورحمة عليهم ، كما قال : ﴿وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ*﴾.
ثمّ بيّن سبحانه حسن حال المؤمنين في ذلك اليوم ، ازديادا لحسرة الكفّار بقوله : ﴿إِنَ﴾ المؤمنين
__________________
(١) تفسير البيضاوي ٢ : ٢٨٤ ، تفسير روح البيان ٧ : ٤١٢.
(٢) تفسير القمي ٢ : ٢١٦ ، تفسير الصافي ٤ : ٢٥٥.
(٣) الكافي ٢ : ١٠٨ / ١٨ ، تفسير الصافي ٤ : ٢٥٦.