ثمّ نبّه سبحانه على أنّ الركوب ليس علّة للعبور من البحر بالسلامة ، بل الله هو الحافظ للراكب والمركوب بقوله : ﴿وَإِنْ نَشَأْ﴾ إغراقهم ﴿نُغْرِقْهُمْ﴾ في البحر مع كونهم في الفلك ﴿فَلا صَرِيخَ﴾ ولا معين ﴿لَهُمْ﴾ يحرسهم من الغرق قبله ﴿وَلا هُمْ﴾ بعد الغرق في البحر ﴿يُنْقَذُونَ﴾ ويخلّصون منه بسبب من الأسباب ﴿إِلَّا رَحْمَةً﴾ عظيمة كائنة ﴿مِنَّا﴾ عليهم ﴿وَمَتاعاً﴾ وانتفاعا منهم بالحياة والنّعم الدنيوية ﴿إِلى حِينٍ﴾ موتهم والأجل المقدّر لهم ، فانّ الرحمة والعيشة المقدّرة منجية ومغيثة لهم.
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان عدم اهتدائهم واعتنائهم بالآيات ، بيّن عدم تأثّرهم واتّعاضهم بالمواعظ بقوله : ﴿وَإِذا قِيلَ لَهُمُ﴾ نصحا وعظة أيّها المشركون آمنوا بالله و﴿اتَّقُوا﴾ بايمانكم ﴿ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ﴾ وما نزل من العذاب على الامم الذين كانوا من قبل بسبب الشرك والطّغيان على الله ورسله ، واحذروا من أن ينزل عليكم مثله ﴿وَ﴾ احذروا ﴿ما خَلْفَكُمْ﴾ وما أعدّ لكم من العذاب الأليم الدائم في الآخرة. - عن الصادق عليهالسلام ، قال : « معناه اتقوا ما بين أيديكم من الذنوب ، وما خلفكم من العذاب » (١) . ﴿لَعَلَّكُمْ﴾ ويرجى أنكم بإيمانكم ﴿تُرْحَمُونَ﴾ من قبل الله ، لأنّ النجاة من الشدائد لا تكون إلّا برحمة الله ، ولا تشملكم رحمته إلّا بالايمان والتقوى - أعرضوا عن النّصح البليغ ، بل عاندوا وكابروا الناصح الشفيق ، وأعجب من ذلك أنّهم ما يرون ﴿وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ﴾ ومعجزة من معجزات رسولهم ﴿إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ﴾ وبها غير معتنين ﴿وَإِذا قِيلَ لَهُمْ﴾ نصحا وإشفاقا على الفقراء : ﴿أَنْفِقُوا﴾ على الفقراء والمحتاجين بعضا وشيئا ﴿مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ﴾ من الأموال ، وأعطاكم من النعم تفضّلا وإحسانا ، لتردّوا به البلاء عن أنفسكم وأهليكم ﴿قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ نعم الله ، وأنكروا توحيده ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ ونصحوا إنكارا عليهم واستهزاء بهم : ﴿أَ نُطْعِمُ﴾ من أطعمتنا ﴿مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ﴾ إطعامه ﴿أَطْعَمَهُ﴾ بقدرته كما أطعمنا على زعمكم أنّ الله أعطانا هذه الأموال ، وتحسبون أنّه لو شاء لأغنى الفقراء وأعزّ الأذلّاء ﴿إِنْ أَنْتُمْ﴾ وما تكونون ﴿إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ وانحراف واضح عن الحقّ ، وخطأ ظاهر عن طريق الصواب ، حيث لا تسألون الله الانفاق عليهم ، وتأمروننا بما يخالف مشيئة الله.
﴿وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ * ما يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً
تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ * فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ
يَرْجِعُونَ (٤٨) و (٥٠)﴾
__________________
(١) مجمع البيان ٨ : ٦٦٧ ، تفسير الصافي ٤ : ٢٥٤.