العارضة لهما بسبب العوارض ، أو كون المراد جميع الكواكب ، وإتيانه بالواو والنون لتنزيل الكوكبين منزلة العقلاء ، لاسناد السياحة التي هي فعلهم إليهما.
﴿وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ *وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما
يَرْكَبُونَ (٤١) و (٤٢)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ذكر اختلاف الليل والنهار ، ذكر نعمة اختلاف الفلك في البحر ، أو لمّا ذكر نعمة سير النيّرين ، ذكر نعمة تهيئة وسيلة سير الانسان في البرّ والبحر بقوله : ﴿وَآيَةٌ﴾ عظيمة اخرى ﴿لَهُمْ﴾ ودلالة واضحة على توحيد ربّهم ﴿أَنَّا حَمَلْنا﴾ وركّبنا ﴿ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ ونسلهم الضّعاف الذين يصعب عليهم السفر في البرّ ﴿فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾ والسفينة المملوءة منهم ومن غيرهم ﴿وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ﴾ نظير الفلك و﴿مِثْلِهِ﴾ في سهوله السير به ﴿ما يَرْكَبُونَ﴾ عليه في البراري والجبال من الإبل وسائر الحيوانات الحمولة.
قيل : إنّ المراد من الفلك فلك نوح (١) ، ومن ضمير الجمع نوع الانسان (٢) ، والمعنى أنّا حملنا ذرية بني آدم في فلك نوح المملوء منهم ومن سائر الحيوانات التي لا تعيش في الماء ، ولو لا حمل الذّرية في الفلك لما بقي لبني آدم نسل وعقب ، وخلقنا لهم ممّا يماثل ذلك الفلك من السفن والزوارق ، وعلى هذا قوله : ﴿حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ بدل ( حملناهم ) مشعر بكمال النعمة وعدم اختصاصها بهم ، بل تكون متعدية إلى أعقابهم إلى يوم القيامة.
وقيل : في التخصيص بذريتهم إشارة إلى عدم الفائدة في حملهم ، لكونهم كفارا ، وإنّما الفائدة في حمل ذرّيتهم المؤمنين. وقيل : إنّ المراد بالذّرية جنس بني آدم ، ويشمل الآباء والأولاد (٣) .
﴿وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ * إِلاَّ رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى
حِينٍ * وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * وَما
تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ * وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا
مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَ نُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ إِنْ
أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٣) و (٤٧)﴾
__________________
(١) تفسير البيضاوي ٢ : ٢٨٢ ، تفسير أبي السعود ٧ : ١٦٨.
(٢) تفسير الرازي ٢٦ : ٧٩.
(٣) تفسير الرازي ٢٦ : ٧٩.