سيرها ﴿الْقَمَرَ﴾ وتساوقه فيه ، بأن تسير في بروجها الاثني عشر في شهر كما يسير القمر في بروجها الاثني عشر ، وإلّا يلزم حصول الفصول الأربعة فيه.
واحتمل بعض كون المراد من الإدراك البلوغ في الآثار ، وإنّ لكلّ منهما أثرا يخصّه لا يمكن للآخر وجدان ذلك الأثر ، أو المراد البلوغ في المكان ، فانّ لكلّ منهما فلكا لا يمكن اجتماعهما في مكان واحد ﴿وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ﴾ ومعجزه من أن يأتي بعده وينتهي إليه ، فتكون جميع الأوقات ليلا ، بل النهار يناوبه.
عن الباقر عليهالسلام ، قال : « يقول الشمس سلطان النهار ، والقمر سلطان الليل ، لا ينبغي للشمس أن تكون مع ضوء القمر بالليل ، ولا يسبق الليل النهار ، يقول لا يذهب الليل حتى يدركه النهار » (١) .
وعن الصادق عليهالسلام : « النهار خلق قبل الليل » وفي قوله : ﴿وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ﴾ قال : « أي سبقه النهار » (٢) .
أقول : لأنّ الليل هو الظّلمة الحاصلة بعد غروب الشمس.
وقيل : إنّ المراد بالليل سلطان الليل ، وهو القمر ، والمراد بالنهار سلطان النهار ، وهو الشمس ، فيكون المعنى لا يسبق القمر الشمس في السير بأن يجتمعا في وقت واحد مع كونهما نيّرين ، بل إذا كان القمر في افق المشرق ، كانت الشمس في افق المغرب ، وهذا في حركتهما اليومية ، ولذا عبّر عنهما بالليل والنهار (٣) .
﴿وَكُلٌ﴾ منهما ﴿فِي فَلَكٍ﴾ غير فلك الآخر ، وسماء غير سماء الآخر ﴿يَسْبَحُونَ﴾ ويسيرون بسرعة وسهولة ، كالسابح في الماء.
روت العامة : أنّ الله خلق بحرا دون السماء جاريا في سرعة السّهم ، قائما في الهواء بأمر الله تعالى ، لا تقطر منه قطرة تجري فيه الشمس والقمر والنجوم ، فذلك قوله تعالى : ﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ والقمر يدور دوران العجلة في لجّة غمر ذلك البحر ، فاذا أحبّ الله أن يحدث الكسوف حرف الشمس عن العجلة ، فتقع في غمر ذلك البحر ، ويبقى سائرا على العجلة النصف أو الثلث ، أو ما شاء الربّ(٤).
وإتيان صيغة الجمع مع أنّ السابح اثنان ، لاسناده إلى الكلّ الذي هو جمع في المعنى ، أو للكثرة
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ٢١٤ ، تفسير الصافي ٤ : ٢٥٣.
(٢) مجمع البيان ٨ : ٦٦٤ ، وتفسير الصافي ٤ : ٢٥٣ عن الرضا عليهالسلام.
(٣) تفسير الرازي ٢٦ : ٧٣.
(٤) تفسير روح البيان ٧ : ٤٠٣.