وتستأذن فلا يؤذن لها ، ويقال لها : أرجعي إلى حيث جئت ، فتطلع من مغربها ، فذلك قوله : ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها﴾» (١) .
وفي ( المجمع ) عنهما عليهماالسلام : «لا مستقرّ لها» (٢) .
﴿ذلِكَ﴾ الجري البديع الموافق للحكم الكثيرة التي عجزت عن فهمها العقول والأفهام ﴿تَقْدِيرُ﴾ الإله ﴿الْعَزِيزِ﴾ القاهر بقدرته لكلّ شيء ، وبإرادته وتدبيره ﴿الْعَلِيمِ﴾ بمصالح العالم وجميع الحكم.
قيل : إنّ من تفكّر في سير الشمس علم أنّه على الوجه الأنفع الأصلح لنظام العالم ، ولا يكون ذلك إلّا بتدبير العليم الحكيم ، فانّ من المعلوم أنّها في كلّ يوم من ستة أشهر يكون خطّ سيرها غير خطّ السير الذي يكون لها في الأيام الاخر ، لأنّه لو كان سيرها في جميع الأيام على خطّ واحد لا حترقت الأرض المسامتة لمسيرها ، وفسدت الأراضي غير المسامتة لاستيلاء الرطوبات المجتمعة فيها في الأشياء ، ولذا قدّر سبحانه قربها من جميع قطعات الأرض بالتدريج ، لتخرج النباتات من قطعات الأرض ، والثّمار من أشجارها ، وتنفتح وتجفّ ، ثمّ تبعد كيلا تحترق الأرض والأشجار (٣).
﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ
تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٣٩) و (٤٠)﴾
ثمّ أنّه تعالى قدّر لها طلوعا وغروبا ، لئلا تكلّ القوى بكثرة السير والتعب ، ولا يختلّ النظام بسبب الظّلمة الدائمة ، ثمّ أنّه تعالى قدّر لها سيرا أبطأ من سير القمر ، وأسرع من سير زحل ، فلو كانت بطيئة السير لدامت زمانا طويلا في مسامته شيء واحد فتحرقه ، ولو كانت سريعة السير لما حصل منها النفع المقصود من تخفيف الرطوبات ونضج الأثمار وتربية المعادن والأبدان وغيرها.
﴿وَ﴾ قدرنا ﴿الْقَمَرَ﴾ يعني ﴿قَدَّرْناهُ﴾ وعيّنا له ﴿مَنازِلَ﴾ كلّ ليلة ينزل في منزل لا يتخطّاه ولا يتقاصر عنه ﴿حَتَّى عادَ﴾ في الدقّة والصّفرة والتقوّس ﴿كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾ وعود العذق العتيق من شمراخه ورأسه إلى منبته ، فإنّه إذا يبس وعتق صار أدقّ وأقوس ، وعود القمر إلى هذه الحالة في ليلة السابع والعشرين في عيون الناظرين ، وإن كان في الواقع عظيما.
ثمّ بين سبحانه كون الشمس والقمر مسخّرين وسائرين على وفق الحكمة بقوله : ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي﴾ ويتيسّر ويصحّ ﴿لَها﴾ مع إرادة الله كونها أبطأ سيرا ومتأخرة من القمر ﴿أَنْ تُدْرِكَ﴾ في
__________________
(١) تفسير روح البيان ٧ : ٣٩٨.
(٢) مجمع البيان ٨ : ٦٦٣ ، ولم ينسبه إليهما عليهماالسلام ، تفسير الصافي ٤ : ٢٥٣.
(٣) تفسير الرازي ٢٦ : ٧٢.