يَعْلَمُونَ * وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ
تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٣٦) و (٣٨)﴾
ثمّ لمّا كان المشركون كفروا هذه النّعم بجعل الشريك له تعالى ، نزّه ذاته عن الشريك بقوله : ﴿سُبْحانَ﴾ الإله القادر ﴿الَّذِي خَلَقَ﴾ بقدرته الكاملة ﴿الْأَزْواجَ﴾ والأصناف من المخلوقات ﴿كُلَّها﴾ ثمّ فصّل سبحانه أنواع الممكنات والمخلوقات بقوله : ﴿مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ﴾ كالأشجار والثّمار والزّروع والحبوب والحشائش وغيرها ممّا يأكل الناس والأنعام ﴿وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ ذكرانا وإناثا ﴿وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ﴾ به ولا يطّلعون عليه من المجرّدات والمادّيات والبرّيات والبحريات.
قيل : إنّ دوابّ البرّ والبحر ألف صنف لا يعلم الناس أكثرها (١).
عن الصادق عليهالسلام : « أنّ النّطفة تقع من السماء إلى الأرض على النبات والثمر والشجر ، فيأكل الناس منه والبهائم ، فتجري فيهم » (٢).
﴿وَآيَةٌ﴾ عظيمة اخرى ﴿لَهُمُ﴾ تدلّ على وحدانية رّبهم ، وهي ﴿اللَّيْلُ﴾ المظلم وبيان كيفية آيتيته هو أنّا ﴿نَسْلَخُ﴾ ونزيل ﴿مِنْهُ النَّهارَ﴾ بحيث لا يبقى منه شيء من ضوئه ، كما يزال جلد الغنم منه ﴿فَإِذا هُمْ﴾ بعد كشف النهار عن مكانه ﴿مُظْلِمُونَ﴾ ومحاطون بسواد الليل.
وعن الباقر - في تأويله - « يعني قبض محمّد صلىاللهعليهوآله وظهرت الظّلمة ، فلم يبصروا فضل أهل بيته » (٣) .
﴿وَ﴾ كذا ﴿الشَّمْسُ﴾ المضيئة المشرقة آية عظيمة لهم حيث إنّها ﴿تَجْرِي﴾ وتسير ﴿لِمُسْتَقَرٍّ لَها﴾ وإلى حدّ ينتهي إليه دورها في آخر السنة ، كسير المسافر إلى المقصد الذي ينتهي إليه سيره.
وقيل : إنّ مستقرّها وسط السماء ، فشبّه سبحانه بطء سيرها وحركتها هناك بالوقوف (٤).
وقيل : إنّ مستقرّها هو البرج الذي يكون بعد البرج الذي تكون فيه ، فانّ سيرها في برجها يترتّب عليه استقرارها في البرج الذي بعده شهرا (٥) .
وقيل : إنّ المستقرّ اسم زمان انقطاع سيرها ، وهو عند خراب العالم ، أو المراد وقت قرارها وتغير حالها بالطّلوع من مغربها (٦) ، كما عن أبي ذرّ في رواية عامية ، قال : دخلت المسجد ورسول الله صلىاللهعليهوآله جالس ، فلمّا غابت الشمس قال : « يا أبا ذرّ ، أتدري أين تذهب هذه الشمس ؟ » فقلت : لا ، الله ورسوله أعلم. فقال : « تذهب وتسجد تحت العرش ، فتستأذن فيؤذن لها ، ويوشك أن تسجد ولا يقبل منها ،
__________________
(١) تفسير روح البيان ٧ : ٣٩٥.
(٢) تفسير القمي ٢ : ٢١٥ ، تفسير الصافي ٤ : ٢٥٣.
(٣) الكافي ٨ : ٣٨٠ / ٥٧٤ ، تفسير الصافي ٤ : ٢٥٣.
(٤و٥) تفسير روح البيان ٧ : ٣٩٧.
(٦) تفسير روح البيان ٧ : ٣٩٨.