قيل : إنّ المراد أنّ الباقين لا يرجعون إلى المهلكين بنسب ولا ولادة ، وهو كناية عن انقطاع نسلهم من الدنيا (١).
﴿وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ * وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها
وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ
وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَ فَلا
يَشْكُرُونَ (٣٢) و (٣٥)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان عدم رجوعهم إلى الدنيا وانقطاعهم عنها ، أخبر باجتماعهم مع الباقين في القيامة بقوله : ﴿وَإِنْ كُلٌ﴾ من المهلكين والباقين ، وما واحد منهم ﴿لَمَّا جَمِيعٌ﴾ ومجتمع مع الآخرين ﴿لَدَيْنا﴾ يوم القيامة ﴿مُحْضَرُونَ﴾ وإلى موقف الحساب يساقون للحساب والجزاء.
ثمّ أنّه تعالى بعد تهديد المشركين بما نزل على الامم المهلكة ، وحضورهم بعد الموت في محضر عدله ، ذكر بعض الآيات العظيمة الدالّة على وحدانيته وقدرته على البعث بعد الموت بقوله : ﴿وَآيَةٌ﴾ عظيمة ودلالة واضحة ﴿لَهُمُ﴾ على التوحيد وكمال قدرته على البعث بعد الموت ﴿الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ﴾ واليابسة التي لا نبات لها ، أمّا كيفية آيتيتها هو أنّا ﴿أَحْيَيْناها﴾ وأنبتنا فيها نباتات مختلفة كثيرة ، ومن أهمّ منافع إحيائها أنّا أنبتنا ﴿وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا﴾ عظيم النفع كالبرّ والشعير اللذين يتقوّت بهما ﴿فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ﴾ وبه يتعيّشون ﴿وَجَعَلْنا﴾ في الأرض وخلقنا ﴿فِيها جَنَّاتٍ﴾ وبساتين متشكّلة ﴿مِنْ نَخِيلٍ﴾ وأنواع مختلفة من شجر التمر ﴿وَ﴾ من أعناب متنوعة ﴿وَفَجَّرْنا﴾ وشققنا ﴿فِيها﴾ كثيرا ﴿مِنَ الْعُيُونِ﴾ النابعة ﴿لِيَأْكُلُوا﴾ بعد خلق ما ذكر من البساتين ، أو بعد تفجير العيون ﴿مِنْ ثَمَرِهِ﴾ الحاصل منه ، ﴿وَ﴾ من ﴿ما عَمِلَتْهُ﴾ واتّخذته ﴿أَيْدِيهِمْ﴾ منه من العصير والدّبس ونحوهما.
وقيل : إنّ كلمة ( ما ) نافية ، والحال أنّ الثمر ليس ممّا عملته أيديهم ، بل يكون ممّا خلقه الله(٢).
ثمّ وبّخ سبحانه الناس على ترك شكر هذه النعمة بقوله تعالى : ﴿أَ فَلا يَشْكُرُونَ﴾ المنعم بالإقرار بتوحيده تقديسه وتحميده ، مع أنّ الواجب بحكم العقل شكر المنعم.
﴿سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا
__________________
(١) تفسير روح البيان ٢٦ : ٦٤.
(٢) تفسير أبي السعود ٧ : ١٦٦ ، تفسير روح البيان ٧ : ٣٩٤.