تنفعني ﴿شَفاعَتُهُمْ﴾ عنده في حقّي ﴿شَيْئاً﴾ يسيرا من النفع ، لعدم كونهم أهلين للشفاعة ﴿وَلا﴾ هم بقدرتهم ﴿يُنْقِذُونِ﴾ ني ويخلّصونني من الضرّ ، لكون عجزهم إلى الغاية.
ثمّ بيّن غاية ضلال عبدة الأصنام بألطف بيان بقوله : ﴿إِنِّي إِذاً﴾ وحين اتّخاذي إلها غير الله ، والله ﴿لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ وانحراف واضح عن طريق العقل ومسلك العقلاء ، بحيث لا يخفى على أحد ممّن شمّ رائحة العقل والإدراك.
﴿إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ * قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ *
بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٥) و (٢٧)﴾
ثمّ لمّا بيّن وجوب اتّباع الرسل الدّعاة إلى التوحيد ، وكون الشّرك غاية السّفه والضلال بالبرهان المطويّ في كلامه ، أعلن بإيمانه بقوله : ﴿إِنِّي﴾ يا قوم ﴿آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ الذي هو ربّي وربّ كلّ شيء ، فاسمعوني وأجيبوني في وعظي ونصحي ، وأقبلوا قولي.
قيل : إنّه خاطب الرسل بذلك حين أراد القوم قتله ، ومقصوده إصغاؤهم إلى إقراره بالتوحيد ، ليشهدوا به عند الله (١) .
قيل : أطال الكلام مع القوم ليشغلهم عن قتل الرسل ، إلى أن قال : إني آمنت بربكم ﴿فَاسْمَعُونِ﴾ فوثبوا عليه فقتلوه ، وباشتغالهم بقتله تخلّص الرسل (٢) .
قيل : إنّهم وطئوه حتى خرجت أمعاؤه من دبره (٣) . وقيل : نشروه بالمنشار حتى خرج من بين رجليه (٤) ، وقيل : خرقوا خرقا في حلقه ، ثمّ علقوه (٥) من وراء سور المدينة (٦) . وقيل : ألقوه في بئر يقال له الرّس ، وقبره في سوق أنطاكية (٧) .
قيل : إنّ اسم ابيه مري ، وكان من نسل إسكندر الرومي (٨) .
روى بعض العامة عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال : « سبّاق الامم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين : علي بن أبي طالب ، وصاحب يس ، ومؤمن آل فرعون »(٩) .
أقول : هذا مناف لما حكوه من أنّه كان ينحت الأصنام وآمن في سنّ الشيخوخة على يدي الرسل ،
__________________
(١) مجمع البيان ٨ : ٦٥٨.
(٢) تفسير روح البيان ٧ : ٣٨٦.
(٣) تفسير القرطبي ١٥ : ١٩.
(٤) تفسير القرطبي ١٥ : ١٩ ، تفسير روح البيان ٧ : ٣٨٦.
(٥) في تفسير القرطبي : حرقوه حرقا ، وعلقوه.
(٦) تفسير القرطبي ١٥ : ١٩.
(٧) تفسير روح البيان ٧ : ٣٨٦.
(٨) تفسير روح البيان ٧ : ٣٨٣.
(٩) تفسير روح البيان ٧ : ٣٨٣.