أحياه إلههما ، دخلت معهما في دينهما. فقال له : وأنا أيضا معك.
ثمّ قال لهما : قد بقيت خصلة واحدة ، قد مات ابن الملك ، فادعوا إلهكما أن يحييه ، فخرّا ساجدين لله عزوجل ، وأطالا السّجود ، ثمّ رفعا رأسهما ، وقالا للملك : ابعث إلى قبر ابنك تجده قد قام من قبره إن شاء الله ، فخرج الناس ينظرون ، فوجوده قد خرج من قبره ينفض رأسه من التّراب ، فاتي به إلى الملك ، فعرف أنّه ابنه ، فقال : ما حالك يا بني ؟ قال : كنت ميتا ، فرأيت رجلين بين يدي ربّي الساعة ساجدين يسألانه أن يحييني فأحياني. قال : يا بني ، تعرفهما ؟ قال : نعم ، فأخرج الناس إلى الصحراء ، فكان يمرّ عليه رجل رجل فيقول أبوه : انظر ، فيقول : لا ، ثمّ مرّوا عليه بأحدهما بعد جمع كثير ، فقال : هذا أحدهما ، وأشار بيده إليه ، ثمّ مرّوا أيضا بقوم كثيرين حتى رأى صاحبه الآخر ، وقال : هذا الآخر ، فقال النبيّ صاحب الرجلين : أمّا أنا فقد آمنت بإلهكما ، وعلمت أنّ ما جئتما به هو الحقّ. فقال الملك : وأنا أيضا آمنت بإلهكما ، وآمن أهل مملكته كلّهم »(١) .
﴿قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ *
قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَ إِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ * وَجاءَ مِنْ أَقْصَا
الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ
أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (١٨ و) (٢١)﴾
ثمّ لمّا عجز القوم عن الاحتجاج ، وضاقت عليهم الحيل ، سلكوا طريق العناد واللّجاج و﴿قالُوا :﴾ أيّها المدّعون للرسالة ﴿إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ﴾ وتشأمنا بقدومكم في بلدنا ، إذ منذ قدمتم انقطع عنّا المطر ، وابتلينا بالبلايا والشرور - على ما قيل - فاخرجوا من بيننا ، أو انتهوا عن دعوتكم (٢) ، والله ﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا﴾ عمّا تقولون ، ولم تمتنعوا عن مقالتكم ، ولم ترتدعوا عن دعوتكم ﴿لَنَرْجُمَنَّكُمْ﴾ ولنرمينّكم بالحجارة ﴿وَلَيَمَسَّنَّكُمْ﴾ وليصيبكم ﴿مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ﴾ وهو القتل بالأحجار.
وقيل : إنّ المراد بالرجم السبّ والشتم ، والمعنى لنشتمنّكم ، بل لا نكتفى به ، فان لم ترتدعوا بالشتم لنضربنّكم ونقتلنكم (٣) ، فأجابهم الرّسل و﴿قالُوا :﴾ يا قوم ﴿طائِرُكُمْ﴾ وسبب شؤمكم ﴿مَعَكُمْ﴾ وهو كفركم بالله ، وطغيانكم عليه ، وتكذيبكم رسله ، فانّه سبب ابتلائكم بالبلايا والشرور ، وليس ذلك منّا.
ثمّ لاموهم على تطيّرهم وتوعيدهم بقولهم : ﴿أَ إِنْ ذُكِّرْتُمْ﴾ ووعظتم وارشدتم إلى ما فيه خيركم وسعادتكم ونصحتم بما فيه صلاح دنياكم وآخرتكم ، وتطيّرتم بالمرشد الناصح ، أو توعّدتموه
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ٢١٣ ، تفسير الصافي ٤ : ٢٤٧.
(٢و٣) تفسير روح البيان ٧ : ٣٨١.