وتمشون في الأسواق ، لا مزيّة لكم علينا ، ولا فضيلة لكم كي تخصّون بالرسالة دوننا ، ولو كان لله رسولا لكان ملكا ، ثمّ بالغوا في التكذيب بقولهم : ﴿وَما أَنْزَلَ﴾ الله الإله الذي تقولون إنّه ﴿الرَّحْمنُ﴾ ومن شأنه الرحمة والرسل إليكم من السماء ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾ من الكتاب والملائكة ﴿إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ﴾ في دعوى الرسالة والتوحيد ونزول الكتاب ، وما أنتم إلّا تفترون على الله في أنّه أرسلكم إلينا لهدايتنا.
﴿قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ * وَما عَلَيْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٦) و (١٧)﴾
ثمّ لمّا رأى الرسل إصرار القوم في تكذيبهم ، بالغوا في الدعوى ، وأكّدوها بالحلف ، و﴿قالُوا﴾ يا قوم ﴿رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ﴾ من قبله ، وإن كذّبتمونا ، ولا يضرّنا إنكاركم علينا ، لأنّه ليس وظيفتنا ﴿وَما﴾ الواجب ﴿عَلَيْنا﴾ من قبل ربّنا ﴿الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ والتبليغ الواضح بإظهار رسالتنا ، وإظهار المعجزات الشاهدة على صدقنا ، وما قصّرنا في العمل بما هو وظيفتنا وأداء ما هو في عهدتنا ، وأمّا إجباركم على الايمان ، فليس بواجب علينا ، ولا في وسعنا ، فإن أصررتم على الكفر كان وباله عليكم.
حكى بعض العامة : أنّ عيسى عليهالسلام بعث رجلين من الحواريين قبل رفعه إلى السماء إلى بلدة أنطاكية ، وكان أهلها يعبدون الأصنام ، فلمّا أمرهما أن يذهبا إلى البلدة ، قالا : يا نبي الله ، انّا لا نعرف لسان القوم ، فدعا الله لهما فناما مكانهما فلمّا استيقظا ، وقد حملتهما الملائكة وألقتهما إلى أرض أنطاكية ، فكلّم كلّ واحد صاحبه بلغة القوم ، فلمّا قربا من المدينة رأيا شيخا يرعى غنيمات له ، وهو حبيب النجار ، وكان ينحت الأصنام ، ويقال له صاحب يس ، لأنّ الله تعالى ذكره في سورة يس ، فسلّما عليه ، فقال لهما : من أنتما ؟ فأخبراه بأنّهما رسل عيسى ، وقالا : جئنا لنهديكم إلى دين الحقّ ، ونرشدكم إلى الصراط المستقيم ، وهو توحيد الله وعبادته. فقال الشيخ : ألكما على صدق دعواكم دليل واضح ؟ قالا : نعم ، نحن نشفي المريض ونبرئ الأكمه والأبرص باذن الله ، وكان لهما ما لعيسى من المعجزة بدعاء عيسى عليهالسلام ، فقال الشيخ : إنّ لي ابنا مجنونا قد عجزت الأطباء من علاجه ، فاشفياه من مرضه ، فذهب بهما إلى داره ، فدعوا الله ومسحا المريض ، فقام باذن الله صحيحا ، فآمن حبيب ، وفشا الخبر ، وشفي على أيديهما خلق كثير ، وبلغ حديثهما إلى الملك ، واسمه بحناطيس الرّومي ، أو انطيخس ، أو شلاحن ، فطلبهما فأتياه ، فاستخبر عن حالهما ، فقالا : نحن رسل عيسى عليهالسلام ، ندعوك إلى عبادة ربّ واحد. فقال : ألنا ربّ غير آلهتنا ؟ قالا : نعم ، وهو من أوجدك وآلهتك ، من آمن به دخل الجنة ، ومن