قائمة الکتاب
إعدادات
نفحات الرحمن في تفسير القرآن [ ج ٥ ]
نفحات الرحمن في تفسير القرآن [ ج ٥ ]
تحمیل
كفر به دخل النار ، فغضب الملك وضربهما وحبسهما.
فانتهى ذلك إلى عيسى عليهالسلام فبعث ثالثا وهو شمعون لينصرهما ، فجاء شمعون القرية متنكّرا ، فعاشر [ حاشية الملك ] حتى استأنسوا به ، ورفعوا حديثه إلى الملك ، فطلبه وأنس به ، وكان شمعون يظهر موافقته في دينه ، حيث كان إذا دخل معه على الصنم يصلّي ويتضرّع ، وهو يظنّ أنّه من أهل دينه ، فقال شمعون يوما للملك : بلغني أنّك حبست رجلين دعواك إلى إله غير إلهك ، فهل لك أن تدعوهما فأسمع كلامهما وأخاصمهما عنك ؟ فدعاهما.
وفي بعض الروايات : أنّ شمعون لمّا ورد أنطاكية دخل السجن أولا حتى انتهى إلى صاحبيه ، فقال لهما : ألم تعلما أنّكما لا تطاعان (١) إلّا بالرّفق واللّطف ؟ إنّ مثلكما مثل المرأة لم تلد زمانا من دهرها ، ثمّ ولدت غلاما ، فأسرعت بشأنه فأطعمته الخبز قبل أوانه فغصّ به فمات ، فكذلك دعوتكما هذا الملك قبل أوان الدعاء.
ثمّ انطلق إلى الملك ، فاستدعاهما - بعد التقرّب إليه - للمخاصمة ، فلمّا حضرا قال لهما شمعون: من أرسلكما ؟ قالا : الله الذي خلق كلّ شيء ، وليس له شريك. فقال : صفاه وأوجزا. قالا : يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد. قال : وما برهانكما على ما تدّعيانه ؟ قالا : ما يتمنّى الملك. فجيء بغلام مطموس العينين بحيث لا يتميّز موضع عينيه من جبهته ، فدعوا الله حتى انشّق له موضع البصر ، فاخذا بندقتين من الطين ، فوضعاهما في حدقتيه ، فصارتا مقلتين ينظر بهما ، فتعجّب الملك ، فقال له شمعون : أرايت لو سألت إلهك حتى يصنع مثل هذا ، فيكون لك وله الشرف ؟ قال : ليس لي عنك سرّ مكتوم ، إنّ إلهنا لا يبصر ولا يسمع ولا يضرّ ولا ينفع.
ثمّ قال لهما الملك : إنّ هنا غلاما مات منذ سبعة أيام ، كان لأبيه ضيعة قد خرج إليها ، وأهله ينتظرون قدومه ، واستأذنوا في دفنه ، فأمرتهم أن يؤخّروه حتى يحضر أبوه ، فهل يحييه ربّكما ؟ فأمر بإحضار ذلك الميت ، فدعوا الله علانية ، ودعا شمعون سرّا ، فقام الغلام الميت حيّا بإذن الله ، وقال : لمّا متّ وفارق روحي من جسدي برزت على سبعة أودية من النار لموتي على الكفر ، وأنا احذّركم عمّا أنتم عليه من الشّرك ، ورأيت أنّ أبواب السماء مفتوحة ، وعيسى عليهالسلام قائما تحت العرش ، وهو يقول : ربّ انصر رسلي. فأحياني الله وأنا أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ عيسى روح الله وكلمته ، وأنّ هؤلاء الثلاثة رسل الله. قال الملك : ومن الثلاثة ؟ قال الغلام : شمعون ، وهذان. فتعجّب الملك ، فلمّا رأى شمعون أنّ قول الغلام أثّر في الملك أخبره بالحال ، وأنّه رسول المسيح إليهم ونصحه ، فآمن الملك فقط
__________________
(١) في النسخة : تطلقان.