كتابه بقوله : ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾(١)﴿وَيَزِيدَهُمْ﴾ الله على ما يستحقّون ما لم يخطر ببالهم ﴿مِنْ فَضْلِهِ﴾ وجوده وخزائن رحمته ، كقبول شفاعتهم في العصاة من أقربائهم وأصدقائهم ومحبّيهم ﴿إِنَّهُ﴾ تعالى ﴿غَفُورٌ﴾ وستّار لفرطاتهم ﴿شَكُورٌ﴾ لطاعاتهم ، ومجازيهم عليها أفضل الجزاء.
﴿وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ
لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ * ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ
لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ
الْكَبِيرُ (٣١) و (٣٢)﴾
ثمّ لمّا ذكر سبحانه تلاوة العلماء كتابه الكريم مدح كتابه بقوله : ﴿وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ﴾ بتوسّط جبرئيل ﴿مِنَ الْكِتابِ﴾ الحميد والقرآن المجيد ﴿هُوَ﴾ بالخصوص ﴿الْحَقُ﴾ الذي يجب الأخذ به ، والعمل بما فيه ، وأدلّ الدليل على حقّانيته وصدقه ، وكونه منزلا من الله ، إنّه يكون ﴿مُصَدِّقاً﴾ وموافقا في العلوم والمعارف وأصول الأحكام والحكم والمواعظ ﴿لِما بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ وما قبله من الكتب السماوية كالتوراة والانجيل والزّبور وغيرها ، مع كون من جاء به امّيا لم يقرأ الكتب ، ولم يجالس أحدا من علماء أهل الكتاب ، وإن اعترض المشركون عليك وقالوا : لم أوحي إليك ولم يوح إلى رجل من القريتين عظيم ؟ فقل : ﴿إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ﴾ القابلين للإيحاء إليهم وغير القابلين له ﴿لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ يعلم بواطنهم ومن قوة عقولهم ونورانية طينتهم وقلوبهم ، ويرى ظواهرهم من حسن أخلاقهم وسيرتهم ، فيصطفي لوحيه ورسالته أعقلهم وأفضلهم وأكملهم ، ولا ينظر إلى كثرة جاههم ومالهم وأولادهم وأعوانهم ﴿ثُمَ﴾ بعد إعطائك الكتاب العظيم وإيجابه إليك ﴿أَوْرَثْنَا﴾ وأعطينا ذلك ﴿الْكِتابَ﴾ المنزل إعطاء إرث الوالد لولده ﴿الَّذِينَ اصْطَفَيْنا﴾ هم وانتجبناهم ﴿مِنْ عِبادِنا﴾ للإعطاء والإكرام ﴿فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾ بمخالفته لأحكامه وعصيانه ربّه ﴿وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ﴾ ومتوسّط في العمل بالكتاب ، لا مجدّ فيه ولا مسامح ومساهل ﴿وَمِنْهُمْ سابِقٌ﴾ ومتقدّم على جميع الناس في العمل ﴿بِالْخَيْراتِ﴾ الأعمال الصالحات ﴿بِإِذْنِ اللهِ﴾ وإرادته وتوفيقه ﴿ذلِكَ﴾ المذكور من إيراث الكتاب والسّبق بالخيرات ﴿هُوَ﴾ بالخصوص ﴿الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾ من الله الكبير ، والإنعام الجزيل من المنعم القدير.
__________________
(١) التوبة : ٩ / ١١١.