منهم أبيض ، ومنهم أحمر ، ومنهم أسود ، ومنهم أصفر ، ومنهم على لون آخر ﴿كَذلِكَ﴾ الاختلاف الكائن في الثّمار والجبال.
﴿إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ * إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ
اللهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ
* لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (٢٨) و (٣٠)﴾
ثمّ لمّا خصّ سبحانه تأثير الإنذار بالذين يخشون ربّهم بالغيب ، بيّن اختصاص الخشية بالعارفين بالله بقوله : ﴿إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ﴾ بين ﴿عِبادِهِ الْعُلَماءُ﴾ بالله العارفون بشؤونه وعظمته وقهاريته لا غيرهم ، لأنّ الخشية متوقّفة على معرفة المخشيّ منه بالعظمة والمهابة والقدرة والقهارية ، كما بيّن سبحانه علّة وجوب خشيته بقوله : ﴿إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ﴾ وغالب على من عصاه ، وقادر على الانتقام ممنّ عاداه وخالفه ﴿غَفُورٌ﴾ لمن يخشاه ويطيعه ، فمن كان أعلم به تعالى كان أخشى منه كما قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : « أنا أخشاكم من الله ، وأتقاكم له » (١) .
وروي عنه صلىاللهعليهوآله أنّه سئل : أيّنا أعلم ؟ قال : « أخشاكم من الله » (٢) .
عن السجاد عليهالسلام ، قال : « ما العلم بالله والعمل إلّا إلفان مؤتلفان ، فمن عرف الله خافه ، وحثّه الخوف على العمل بطاعة الله ، وإنّ أرباب العلم وأتباعهم الذين عرفوا الله فعملوا له ورغبوا إليه ، وقد قال الله : ﴿إِنَّما يَخْشَى اللهَ﴾ » إلى آخره (٣) .
وعن الصادق عليهالسلام : « دليل الخشية التعظيم لله والتمسّك بخالص الطاعة وأوامره ، والخوف والحذر ، ودليلهما العلم »(٤) ثمّ تلا هذه الآية.
أقول : ولذا مدح الله العلماء بالعمل بقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ﴾ حقّ تلاوته ، ويهتمّون بالعبادات البدنية التي أفضلها الصلاة كما قال تعالى : ﴿وَأَقامُوا الصَّلاةَ﴾ بآدابها وشرائطها ، وبالعبادات المالية كما قال سبحانه : ﴿وَأَنْفَقُوا﴾ في سبيل الله ﴿مِمَّا رَزَقْناهُمْ﴾ وأعطيناهم من الأموال ﴿سِرًّا﴾ وخفية من الناس ، لإدراك فضيلة الصدقة السرّية ﴿وَعَلانِيَةً﴾ وجهارا لترغيب الناس إليه ، وهم بأعمالهم وعباداتهم ﴿يَرْجُونَ تِجارَةً﴾ ومبايعة مع ربّهم في سوق الدنيا ﴿لَنْ تَبُورَ﴾ ولن تخسر تلك التجارة أبدا ﴿لِيُوَفِّيَهُمْ﴾ ويعطيهم على أعمالهم ﴿أُجُورَهُمْ﴾ التي وعدهم بلسان نبيه في
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٧ : ١٥١ ، تفسير روح البيان ٧ : ٣٤٤.
(٢) تفسير روح البيان ٧ : ٣٤٤.
(٣) الكافي ٨ : ١٦ / ٢ ، تفسير الصافي ٤ : ٢٣٧.
(٤) مصباح الشريعة : ٢٣ ، تفسير الصافي ٤ : ٢٣٧.