ثمّ سلّى سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوآله على تكذيب قومه بقوله : ﴿وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ﴾ فلا تبال تكذيبهم ، ولا تحزن عليه ﴿فَقَدْ كَذَّبَ﴾ الامم العاتية الطاغية ﴿الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ وفي الأعصار السابقة على عصرهم رسلهم ، ثمّ كأنّه قيل : هل كان لهم رسل ؟ فأجاب سبحانه بقوله : ﴿جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ﴾ مستدلّين على صدق رسالتهم ﴿بِالْبَيِّناتِ﴾ والمعجزات الباهرات الدالات على صدقهم وصحة نبوّتهم ﴿وَبِالزُّبُرِ﴾ والصّحف السماوية كصحف شيث وإدريس وإبراهيم عليهمالسلام ﴿وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ﴾ الموضح للحقّ المبين ، لما يحتاج إليه من الحكم والأحكام والمواعظ والأمثال والوعد والوعيد ونحوها ، كالتوراة والإنجيل ﴿ثُمَّ أَخَذْتُ﴾ بعذاب الاستئصال ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وأنكروا رسالتهم وكذّبوهم ﴿فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ﴾ وتعييري عليهم بالعقوبات الشديدة التي صارت عبرة لمن بعدهم إلى يوم القيامة ، وفيه وعيد لمكذّبي النبيّ صلىاللهعليهوآله ووعد له بالنّصر والظّفر.
﴿أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ
الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ
وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ (٢٧) و (٢٨)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد حكاية تكذيب الرسل في دعوى التوحيد والرسالة ، شرع في الاستدلال على توحيده بقوله : ﴿أَ لَمْ تَرَ﴾ يابن آدم ، أو يا محمد ، ولم تعلم ﴿أَنَّ اللهَ﴾ بقدرته الكاملة ﴿أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً﴾ بالأمطار.
ثمّ عدل من الغيبة إلى التكلّم إظهارا لكمال الاعتناء ببديع صنعه بقوله : ﴿فَأَخْرَجْنا﴾ من الأرض والأشجار ﴿بِهِ ثَمَراتٍ﴾ كثيرة ﴿مُخْتَلِفاً أَلْوانُها﴾ وأنواعها كالرّمان والتّفاح والتين والعنب وغيرها ، وأصنافها أو هياتها من الصّفرة والحمرة والبياض والسواد وغيرها ﴿وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ﴾ وخطط وطرق ظاهرة. وقيل : يعني ذو جدد ﴿بِيضٌ وَحُمْرٌ﴾ كلّ واحدة من البيض والحمر ﴿مُخْتَلِفٌ﴾ أيضا ﴿أَلْوانُها﴾ بالشدّة والضّعف وجدد سود ﴿وَغَرابِيبُ﴾ وبالغات أعلى درجة السواد بحيث لا يمكن الاختلاف فيها.
ثمّ بيّن سبحانه السّود المحذوف الموكّد بالغرابيب بقوله : ﴿سُودٌ﴾ فعلى ما فسرّنا الآية يكون المقصود بيان اختلاف الطرق في اللون كاختلاف الثّمار في اللون ، ويمكن أن يكون المقصود بيان اختلاف نفس الجبال في اللون ، فبعضها تكون ذا جدد بيض وحمر ، وبعضها يكون كلّه أسود ﴿وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِ﴾ كالفرس والبغل والحمار ﴿وَالْأَنْعامِ﴾ كالإبل والبقر والغنم ﴿مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ﴾ بأنّ