يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما
يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا
لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (١٣) و (١٤)﴾
ثمّ ذكر سبحانه من آثار قدرته بقوله : ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ﴾ وقد مرّ تفسيرهما مكرّرا ﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ وقهرهما تحت إرادته ﴿كُلٌ﴾ منهما ﴿يَجْرِي﴾ ويسير في فلكه بحركته الخاصة وعلى المدارات اليومية بحركته القسرية ﴿لِأَجَلٍ مُسَمًّى﴾ ومعين قدّره الله لجريهما ، وهو يوم القيامة.
أيّها الناس ﴿ذلِكُمُ﴾ القادر الحكيم الذي فعل هذه الأعاجيب هو ﴿اللهُ﴾ الذي هو ﴿رَبُّكُمْ﴾ واعلموا أنّ ﴿لَهُ﴾ وحده ﴿الْمُلْكُ﴾ والسلطنة التامة في عالم الوجود من الملك والملكوت والجبروت ، إذن خصّوا العبادة به ، ولا تشركوا به غيره.
ثمّ بيّن أنّ الأصنام فاقدون لصفات الالوهية بقوله : ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ﴾ والقشرة البيضاء الرقيقة الملتفّة على النّواة ﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ﴾ وتنادوهم أو تسألوهم حاجة ﴿لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ﴾ لأنّهم جمادات ﴿وَلَوْ سَمِعُوا﴾ على الفرض دعاءكم ﴿مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ﴾ وما أجابوكم ، لعدم قدرتهم على النّطق ، أو ما قضوا حاجتكم لعجزهم عن دفع الضرر عن أنفسهم وجلب نفع إلى أنفسهم بوجه ، فكيف بدفع الضرر عنكم ، أو إيصال النفع إليكم ؟ هذا في الدنيا ، وأما في الآخرة بعد صيرورتهم أحياء ناطقين ﴿يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ﴾ إيّاهم بالله ، وينكرون أنّكم تعبدونهم من دون الله ، ﴿وَ﴾ اعلم أنّه ﴿لا يُنَبِّئُكَ﴾ ولا يخبرك يا محمد بواقع الامور أحد ﴿مِثْلُ﴾ إله ﴿خَبِيرٍ﴾ بجميع الامور وحقائقها وواقعياتها بحيث لا يمكن السهو والغلط والاشتباه في إخباره.
﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ
وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ * وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ
تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى (١٥) و (١٨)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان عجز الأصنام من إجابة عابديها ، وعدم نفعهم لهم في الدنيا والآخرة ، بل يضادّوا عابديهم فيها ، أعلن في الناس بحاجة جميع الخلق إليه تعالى بقوله : ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ الأبيض والأحمر والأسود ﴿أَنْتُمُ الْفُقَراءُ﴾ والمحتاجون ﴿إِلَى اللهِ﴾ في وجودكم وبقائكم ورزقكم وعزّكم ودينكم في الدنيا ، ونجاتكم ونيلكم بالدرجات العالية في الآخرة ﴿وَاللهُ﴾ الواجب الوجود