﴿هُوَ﴾ وحده ﴿الْغَنِيُ﴾ عن كلّ شيء ممّا سواه ﴿الْحَمِيدُ﴾ والمستحقّ للثناء الجميل على نعمه العامة والخاصة.
قيل : لمّا كثر الدعاء من النبيّ صلىاللهعليهوآله إلى عبادة الله والامتناع منها من الكفّار ، قالوا : لعلّ الله محتاج إلى عبادتنا حتى يأمرنا أمرا بالغا ، ويهدّدنا على تركها مبالغا ، فأنزل الله ﴿أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُ﴾(١) .
ثمّ بيّن قدرته وغناه عنهم بقوله : ﴿إِنْ يَشَأْ﴾ إذهابكم وإهلاككم ﴿يُذْهِبْكُمْ﴾ عن وجه الأرض ، ويهلككم جميعا بالعذاب ﴿وَيَأْتِ﴾ مكانكم ﴿بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ أقوى وأحسن وأطوع منكم ﴿وَما ذلِكَ﴾ الإذهاب والإتيان ﴿عَلَى اللهِ﴾ القادر على كلّ شيء الغنيّ عن الأسباب ﴿بِعَزِيزٍ﴾ ومتعذّر ولا صعب ومتعسّر ، بل عليه هيّن يسير.
ثمّ بيّن سبحانه أنّ إصرار النبي صلىاللهعليهوآله على دعوتهم ليس لتضرّره بكفرهم بقوله : ﴿وَلا تَزِرُ﴾ ولا تحمل نفس ﴿وازِرَةٌ﴾ وحاملة ثقل العصيان ﴿وِزْرَ﴾ نفس ﴿أُخْرى﴾ وثقل عصيانها ، بل إنّما تحمل كلّ نفس إثم نفسها الذي اكتسبته في الدنيا ، ولا يؤاخذ شخص إلّا على ما ارتكبه من الذنب ، لا على ما ارتكبه غيره ﴿وَإِنْ تَدْعُ﴾ نفس ﴿مُثْقَلَةٌ﴾ ومتحمّلة للمعصية أحدا ﴿إِلى حِمْلِها﴾ وثقلها الذي عليها من الذنوب ليحمل شيئا منه ﴿لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ﴾ ولو كان قليلا ، ولا يجيب دعوتها ﴿وَلَوْ كانَ﴾ المدعوّ ﴿ذا قُرْبى﴾ من الداعي كالأب والامّ والولد والأخ ، إذ لكلّ منهم يومئذ شأن يغنيه وحمل يعجزه ، فكفركم وعصيانكم لا يضرّ النبيّ صلىاللهعليهوآله.
﴿إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما
يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ * وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ * وَلا
الظُّلُماتُ وَلا النُّورُ * وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ (١٨) و (٢١)﴾
ثمّ لمّا كان فيه تهديد شديد ، وما كاد يؤثّر في قلوب المصرّين على الشّرك ، سلّى سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوآله بقوله : ﴿إِنَّما تُنْذِرُ﴾ ويفيد إنذارك وعظتك المؤمنين ﴿الَّذِينَ يَخْشَوْنَ﴾ ويخافون ﴿رَبَّهُمْ﴾ الكائنين عنه تعالى ﴿بِالْغَيْبِ﴾ المحجوبين عن رؤيته ﴿وَأَقامُوا الصَّلاةَ﴾ وراعوا حدودها وشرائطها ، فانّهم المنتفعون بانذارك دون المتمرّدين الطاغين من الناس ، وليس عليك إيمانهم ، وإنّما عليك الإنذار ، وقد أدّيت ما عليك وأبلغت ، ثمّ بيّن سبحانه أنّه كما لا يضرّ عصيان أحد غيره ، لا ينفع طاعة أحد
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٦ : ١٣.