سنين ، فيكون وصولا للرّحم ، فيزيد الله في عمره ثلاثين سنة فيجعلها ثلاثا وثلاثين سنة ، ويكون أجله ثلاثا وثلاثين سنة ، فيكون قاطعا للرّحم ، فينقصه الله عزوجل ثلاثين سنة ويجعل أجله إلى ثلاث سنين » (١).
﴿وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ
تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ
لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢)﴾
ثمّ بالغ سبحانه في إثبات قدرته بالآثار الظاهرة بقوله : ﴿وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ﴾ المتشابهان في الصورة في طعم الماء ، بل يقال لواحد منهما : ﴿هذا﴾ الماء ﴿عَذْبٌ﴾ وحلو و﴿فُراتٌ﴾ وطيّب و﴿سائِغٌ شَرابُهُ﴾ ومرئ ماؤه ﴿وَ﴾ للآخر ﴿هذا﴾ الماء ﴿مِلْحٌ أُجاجٌ﴾ هو مرّ شديد الملوحة ﴿وَمِنْ كُلٍ﴾ منها مع هذا الاختلاف تصيدون السّموك والطّيور و﴿تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا﴾ جديدا لأنّه يفسد بترك التسارع إلى أكله ﴿وَتَسْتَخْرِجُونَ﴾ من كلّ منهما ، أو من الملح الاجاج اللؤلؤ والمرجان ، وتجعلونهما ﴿حِلْيَةً﴾ وزينة ﴿تَلْبَسُونَها﴾ قيل : إسناد اللّبس إلى الرجال باعتبار لبس النساء لهم ، فكأنّهم لبسوها (٢) .
اقول : لا يحتاج إلى هذا التكلّف بعد كون الخطاب إلى الناس والنساء منهم ﴿وَتَرَى﴾ أيّها الرائي ﴿الْفُلْكَ﴾ والسفينة ﴿فِيهِ﴾ العذب منه والملح ﴿مَواخِرَ﴾ وشواقّ للماء بجريها مقبلة ومدبرة ﴿لِتَبْتَغُوا﴾ وتطلبوا بعضا ﴿مِنْ﴾ نعم ربّكم و﴿فَضْلِهِ﴾ بالنقلة فيها ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ نعمه وتقومون بحقّها حيث ترون أنّه تعالى جعل المهالك سببا لوجود المنافع وحصول المعايش.
قال جمع من مفسّري العامة : إنّ المراد من الآية ضرب المثل في حقّ الكفر والايمان ، والكافر والمؤمن ، فالبحر العذب مثل للايمان أو المؤمن ، والبحر الملح الاجاج مثل للكفر أو الكافر ، فكما لا يشبّه البحر العذب بالبحر الاجاج ، كذلك لا يشبّه الايمان أو المؤمن بالكفر أو الكافر ، بل حال الكفر أو الكافر أدون من البحر الاجاج ؛ لأنّه يشارك البحر العذب في كثير من المنافع ، كالمنافع المذكورة ، ولا نفع للكفر أو الكافر (٣) .
﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ
__________________
(١) الكافي ٢ : ١٢٢ / ١٧ ، تفسير الصافي ٤ : ٢٣٤.
(٢) تفسير روح البيان ٧ : ٣٣٠.
(٣) تفسير الرازي ٢٦ : ١٠ ، تفسير روح البيان ٧ : ٣٣٠.