يضرّك كفرهم ﴿إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ﴾ ويعملون من القبائح ، فيجازيهم عليها أسوأ الجزاء.
﴿وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ
بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ (٩)﴾
ثمّ أنّه تعالى لمّا وعد بالحشر والمعاد ، استدلّ على إمكانه بقدرته المحسوسة على إحياء الأرض الميتة بقوله : ﴿وَاللهُ﴾ تعالى هو القادر ﴿الَّذِي أَرْسَلَ﴾ وهيّج ﴿الرِّياحَ﴾ المختلفة كالجنوب والشّمال والصّبا ﴿فَتُثِيرُ﴾ وتنشر (١)﴿سَحاباً﴾ ممطرا بين السماء والأرض ﴿فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ﴾ وأرض يابسة لا نبات لها ، لإنزال المطر فيها ﴿فَأَحْيَيْنا بِهِ﴾ أو بالسّحاب الممطر ﴿الْأَرْضَ﴾ الميتة ، وصيّرناها خضراء بالنبات ﴿بَعْدَ مَوْتِها﴾ ويبسها ﴿كَذلِكَ﴾ الإحياء الذي تشاهدونه في الأرض ﴿النُّشُورُ﴾ بعد موتكم وحشركم من القبور بعد كونكم ترابا ورفاتا في صحّة المقدورية وبسهولة الثاني من غير تفاوت بينهما أصلا سوى الإلف في الأول دون الثاني.
عن العسكري عليهالسلام : « أنّ الله عزوجل ينزل بين نفختي الصّور بعدما ينفخ النفخة الاولى من دون السماء الدنيا من البحر المسجور الذي قال الله تعالى : ﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾(٢) وهو منيّ كمنيّ الرجال ، ويمطر ذلك على الأرض ، فيلقي الماء المنّى على الأموات البالية ، فينبتون من الأرض ويحيون » (٣) .
﴿مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ
الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ
يَبُورُ (١٠)﴾
ثمّ لمّا كان المشركون يتوهّمون عزّهم في عبادة الأصنام ، والمنافقون يطلبون العزّ بموافقة المشركين ، دفع سبحانه التوهّم بعد إثبات التوحيد بقوله : ﴿مَنْ كانَ﴾ من المشركين والمنافقين ﴿يُرِيدُ الْعِزَّةَ﴾ والشرف ﴿فَلِلَّهِ﴾ وحده ﴿الْعِزَّةَ﴾ والشرافة الدنيوية والاخروية ﴿جَمِيعاً﴾ فليطلبها من عنده بطاعته وعبادته ، فانّ الشيء لا يطلب إلّا من عند صاحبه ومالكه ، وفي الحديث : « أنّ ربّكم يقول كلّ يوم : أنا العزيز ، فمن أراد عزّ الدارين ، فليطع العزيز » (٤) ولذا أثبت العزة لرسوله وللمؤمنين في الآية الاخرى ، لأنّهم أطاعوه.
__________________
(١) في النسخة : تنتشر.
(٢) الطور : ٥٢ / ٦.
(٣) التفسير المنسوب الى الامام العسكري عليهمالسلام : ٢٨٢ / ١٤٠ ، تفسير الصافي ٤ : ٢٣٣.
(٤) مجمع البيان ٨ : ٦٢٨ ، تفسير الصافي ٤ : ٢٣٣.