ثمّ لمّا كان المشركون يقولون : نحن لا نعبد من لا نراه ، فانّ البعد من المعبود ذلّ وهوان ، فردّهم سبحانه بقوله : ﴿إِلَيْهِ﴾ تعالى ﴿يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ الذي تتكلّمون به من كلمة التوحيد وسائر الأذكار المندوبة والاستغفار والدعاء ، فان لم تروه فانّه يسمع كلامكم ، ويقبل الطيّب من أقوالكم ﴿وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ﴾ المصدّق للكلم والقول يقوّى ذلك القول و﴿يَرْفَعُهُ﴾ إلى محلّ القبول.
عن الصادق عليهالسلام : « الكلم الطيّب : قول المؤمن : لا إله إلّا الله ، محمد رسول الله ، عليّ وليّ الله وخليفة رسول الله ، والعمل الصالح : الاعتقاد بالقلب أنّ هذا هو الحقّ من عند الله لا شكّ فيه من ربّ العالمين » (١) .
وعن الباقر عليهالسلام ، قال : « قال رسول الله : إنّ لكلّ قول مصدّقا من عمل يصدّقه أو يكذّبه ، فاذا قال ابن آدم وصدّق قوله بعمله ، رفع قوله بعمله إلى الله ، وإذا قال وخالف عمله قوله ، ردّ قوله على عمله الخبيث وهوى به في النار » (٢) .
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام : « من قال : لا إله إلّا الله مخلصا ، طمست ذنوبه كما يطمس الحرف الأسود من الرّقّ الأبيض ، فاذا قال ثانية : لا إله إلّا الله مخلصا ، خرقت أبواب السماء وصفوف الملائكة حتى يقول الملائكة بعضها لبعض : اخشعوا لعظمة أمر الله ، فاذا قال ثالثة مخلصا : لا إله إلا الله ، لم تنته دون العرش ، فيقول الجليل : اسكني فوعزّتي وجلالي لأغفرنّ لقائلك بما كان فيه » ثمّ تلا هذه الآية ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ يعني إذا كان عمله خالصا ارتفع قوله وكلامه (٣) .
ثمّ بيّن سبحانه ما يترتّب على القول والعمل الخبيثين ، وما يستحقّ فاعلهما بقوله : ﴿وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ﴾ المكرات ﴿السَّيِّئاتِ﴾ كمكرات قريش في إطفاء نور النبيّ صلىاللهعليهوآله وكمكرات أصحاب السقيفة في غصب خلافة الوصي عليهالسلام ، ومكر كلّ مبطل في إذهاب الحقّ ﴿لَهُمْ﴾ في الآخرة ﴿عَذابٌ شَدِيدٌ﴾ لا توصف شدّته ﴿وَمَكْرُ أُولئِكَ﴾ الماكرين ﴿هُوَ يَبُورُ﴾ ويفسد ويفنى بلا نتيجة ، بخلاف العمل الصالح فانّه يبقى ويفيد بحال عامله.
﴿وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا
تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ
عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (١١)﴾
__________________
(١و٢) تفسير القمي ٢ : ٢٠٨ ، تفسير الصافي ٤ : ٢٣٣.
(٣) الاحتجاج : ٢٦٠ ، تفسير الصافي ٤ : ٢٣٤.