وأعلموا أنّه ﴿إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ﴾ ويحرّض جماعة أتباعه على العمل بأوامره ووساوسه ﴿لِيَكُونُوا﴾ بمخالفة الله ﴿مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ﴾ والخالدين في نار الجحيم ، لا لوصولهم إلى المنافع الدنيوية كما هو مقصد المتحابّين في الدنيا الغافلين عن المفاسد الاخروية.
﴿الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ
وَأَجْرٌ كَبِيرٌ * أَ فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ
فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ (٧) و (٨)﴾
ثمّ بيّن سبحانه حال حزبه وحزب الشيطان في الآخرة مبالغة في الزجر بقوله : ﴿الَّذِينَ﴾ اتّبعوا الشيطان و﴿كَفَرُوا﴾ بالله ورسوله ﴿لَهُمْ﴾ في الآخرة ﴿عَذابٌ شَدِيدٌ﴾ لا يمكن بيان حدّ شدّته وكيفيتها ﴿وَالَّذِينَ﴾ اتّبعوا الله ورسوله و﴿آمَنُوا﴾ بهما وبما يجب الايمان به ﴿وَعَمِلُوا﴾ الأعمال ﴿الصَّالِحاتِ﴾ والمرضيات عند الله ، وصبروا على مشاقّ طاعته ﴿لَهُمْ﴾ بإزاء إيمانهم ﴿مَغْفِرَةٌ﴾ عظيمة للذنوب وستر لها عن غيره بإخفائها عن الناس في الدنيا ، ومحوها من ديوانهم أو تبديلها بالحسنات في الآخرة ﴿وَأَجْرٌ﴾ وثواب ﴿كَبِيرٌ﴾ لا غاية له على أعمالهم.
ثمّ بيّن سبحانه وجوب كون الكفّار معذّبين ، وكون المؤمنين الصالحين منعّمين ، وعدم إمكان التساوي بينهما بقوله : ﴿أَ فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ﴾ من قبل النفس والشيطان ﴿سُوءُ عَمَلِهِ﴾ وقبيح فعله ﴿فَرَآهُ﴾ وتوهّمه ﴿حَسَناً﴾ وجميلا لجهله وضعف عقله ، يمكن أن يكون كمن رأى القبيح قبيحا فاجتنبه ، والحسن عند الله حسنا فارتكبه لقوّة عقله وعلمه بعواقب الأمور في الآخرة ودار الجزاء ، لا والله لا يمكن ذلك أبدا.
ثمّ لمّا كان كفر الكافر ثقيلا على قلب نبيّه صلىاللهعليهوآله سلّاه سبحانه ، وبيّن أن الكفر والايمان بمشيئته بقوله : ﴿فَإِنَّ اللهَ﴾ بالخذلان المسبّب عن خبث الطينة وسوء الأعمال ﴿يُضِلُ﴾ ويحرف عن الحقّ وسبيل الخير ﴿مَنْ يَشاءُ﴾ خذلانه وضلاله ﴿وَيَهْدِي﴾ ويرشد ويوصل إلى الحق والدين المرضيّ عنده بتوفيقه المسبّب عن حسن الفطرة وطيب الطينة وحسن الأعمال والأخلاق ﴿مَنْ يَشاءُ﴾ توفيقه وهدايته ، فاذا علمت أن ضلال الكفّار بارادة الله ﴿فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ﴾ ولا تهلك ﴿عَلَيْهِمْ﴾ وعلى ضلالهم وكفرهم لأجل ﴿حَسَراتٍ﴾ وأحزان متوالية تعتريك ، لإصرارهم على الكفر والتكذيب ، وإنّما عليك النّصح والتبليغ ، وقد خرجت عن عهده ما عليك ، وليس عليك إيمانهم ، ولا