فهما جناحان ، وفيهم من يفعل ما يفعل من الخير بواسطة ، فالفاعل بواسطة فيه ثلاث جهات ، ومنهم من له أربع جهات وأكثر (١) .
وقيل : إنّ المراد بالأجنحة الصفات الملكية والقوى الرّوحانية ، وليست كأجنحة الطير (٢) .
وفي ( الكافي ) عن الثّمالي ، قال : دخلت على علي بن الحسين عليهماالسلام فاحتبست في الدار ساعة ، ثمّ دخلت البيت وهو يلتقط شيئا ، وأدخل يده من وراء السّتر ، فناوله من كان في البيت ، فقلت : جعلت فداك ، هذا الذي أراك تلتقطه أي شيء هو ؟ قال : « فضلة من زغب الملائكة نجمعه إذا خلونا ، نجعله سيحا (٣) لأولادنا » فقلت : جعلت فداك ، فانّهم ليأتونكم ؟ فقال : « يا أبا حمزة ، إنّهم ليزاحمونا على تكآئتنا » (٤) .
﴿ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ
وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ
غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * وَإِنْ
يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٢) و (٤)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان كمال قدرته بخلق السماوات والأرض والملائكة ، واستخدامهم في الامور ، بيّن تفرّده في تدبير العالم وإعطاء النّعم بقوله : ﴿ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ﴾ باب من أبواب ﴿رَحْمَةٍ﴾ عامة كالسّعة والصحّة والنّصرة ونظائرها من النّعم ، أو رحمة خاصة كالتوفيق والعلم والحكمة ونظائرها ، ويرسلها ﴿فَلا مُمْسِكَ لَها﴾ ولا مانع من إرسالها من خلقه ، ولا قادر على حبسها ممّا سواه ﴿وَما يُمْسِكْ﴾ الله ويمنع من إعطائه وإرساله ﴿فَلا مُرْسِلَ﴾ ولا معطي ﴿لَهُ﴾ ممّا سوى الله و﴿مِنْ بَعْدِهِ﴾ فلا يكون العطاء والمنع إلّا له تعالى ، لعدم وجدان غيره شيئا وقدرته على شيء ﴿وَهُوَ﴾ تعالى وحده ﴿الْعَزِيزُ﴾ القادر على كلّ شيء ، والقاهر على كلّ شيء ، فلا ينازعه في إعطائه ومنعه أحد ﴿الْحَكِيمُ﴾ العالم بالمصالح والمفاسد ، والمطّلع على المحلّ القابل للاعطاء وغيره ، فهو المستحقّ للحمد والثناء والعبادة والخضوع.
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٦ : ٣.
(٢) تفسير روح البيان ٧ : ٣١٣.
(٣) السيح : ضرب من البرود ، وفي بعض نسخ المصدر : سبحا : جمع سبحة ، وقد يراد بها القلادة تجعل في سلك وتعلّق على الأولاد للعوذة. قال في ( المرآة ) : في ( بصائر الدرجات ) : سخابا لأولادنا ، في أخبار كثيرة ، السّخاب : خيط ينظم فيه خرز ويلبسه الصبيان والجواري ، وقيل : هو قلادة من قرنفل ومسك ونحوه ، وليس فيها من اللؤلؤ والجوهر شيء. مرآة العقول ٤ : ٢٩٠.
(٤) الكافي ١ : ٣٢٤ / ٥٣ ، تفسير الصافي ٤ : ٢٣١ ، والتّكآت : جمع تكأة ، ما يعتمد عليه حين الجلوس.