المتطاولة ، ويستتبعكم ويترأس عليكم ﴿وَقالُوا﴾ إنكارا لصدق القرآن : ما هذا القرآن ﴿إِلَّا إِفْكٌ﴾ وكلام مموّه ﴿مُفْتَرىً﴾ ومكذوب على الله ﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ من المشركين وأهل الكتاب ﴿لِلْحَقِ﴾ والقرآن الصدق ﴿لَمَّا جاءَهُمْ﴾ من قبل الله : ﴿إِنْ هذا﴾ القرآن ، وما هو ﴿إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ .
ثمّ لامهم سبحانه على اتّخاذهم الدين بغير دليل بقوله : ﴿وَما آتَيْناهُمْ﴾ وما أنزلنا عليهم ﴿مِنْ كُتُبٍ﴾ سماوية دالة على صحّة مذهب الشّرك ﴿يَدْرُسُونَها﴾ ويقرؤونها مكرّرا بتفكّر وتأمل ﴿وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ﴾ يدعوهم إلى الشرك ، ويخوّفهم بالعقاب على تركه.
ثمّ هدّدهم بقوله : ﴿وَكَذَّبَ﴾ الامم ﴿الَّذِينَ﴾ كانوا ﴿مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ وفي الأعصار السابقة على عصرهم آيات الله ورسله كما كذّبوك ﴿وَ﴾ الحال أنّ هؤلاء ﴿ما بَلَغُوا﴾ وما وجدوا ﴿مِعْشارَ﴾ ما أعطينا اولئك الامم السابقة ، وعشرا ، وعشر عشر ﴿ما آتَيْناهُمْ﴾ من القوى الجسمانية وكثرة الأموال والأولاد والأعوان.
ثمّ فسر سبحانه التكذيب بقوله : ﴿فَكَذَّبُوا رُسُلِي﴾ المبعوثين إليهم في دعوى الرسالة ودعوتهم إلى توحيدي ﴿فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ﴾ وإنكاري لهم وغضبي عليهم بإنزال عذاب الاستئصال وقطع دابرهم ، فما خطر اولئك المكذّبين لك بجنبهم ، فليحذروا من ما ابتلي به اولئك الامم.
﴿قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ
مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٤٦)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد حكاية إصرار قومه عليهالسلام على إنكار توحيد الله ورسالة الرسول وصدق القرآن ، وتوبيخهم على التديّن بالشرك بغير دليل قاطع عليه ، بل بتقليد الآباء وتهديدهم بالعذاب ، أمر سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوآله بنصحهم بألطف بيان ، وحثّهم على التفكر في أمر رسالته بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمد ، لقومك : يا قوم ﴿إِنَّما أَعِظُكُمْ﴾ وأنصح لكم ﴿بِواحِدَةٍ﴾ مهمة من الخصال ، أو الحسنات ، وهي ﴿أَنْ تَقُومُوا﴾ من مجلسكم أو مجلس رسولكم ، وتتفرّقوا من مجامعكم عنده ﴿لِلَّهِ﴾ ولرضاه ووجهه. وقيل : يعني أن تقوموا لعبادة الله وحده (١)﴿مَثْنى﴾ واثنين اثنين ﴿وَفُرادى﴾ وواحدا واحدا ، فانّ في الكثرة والازدحام يقلّ الانصاف ويكثر الخلاف ، ويشوّش الخاطر ، ويثور الغضب ﴿ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا﴾ في أنفسكم في أمر رسالتي وبياناتي ، وأخلاقي وأعمالي ، وسيرتي ومعجزاتي ، حتى تعلموا أنّه ﴿ما بِصاحِبِكُمْ﴾ وبمن يدعوكم إلى توحيد الله ومعارفه ، ويأمركم بالحسنات وصالح الأعمال والأخلاق ،
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٥ : ٢٦٨ ، تفسير أبي السعود ٧ : ١٣٨.