ثمّ أنّه تعالى بعد تهديد المتكبّرين المعارضين للرّسل بالحضور في العذاب ، هدّدهم بالفضيحة والهوان يوم القيامة بقوله : ﴿وَ﴾ ذكّرهم ﴿يَوْمَ﴾ يبعث الله المشركين العابدين للملائكة و﴿يَحْشُرُهُمْ﴾ إلى المحشر ﴿جَمِيعاً﴾ المستكبرين منهم والمستضعفين ﴿ثُمَّ يَقُولُ﴾ توبيخا وتفضيحا لهم وإقناطا لهم من شفاعة معبوداتهم ﴿لِلْمَلائِكَةِ﴾ الذين هم أشرف شركائهم : أيّها الملائكة ﴿أَ هؤُلاءِ﴾ الكفّار ﴿إِيَّاكُمْ كانُوا﴾ في الدنيا ﴿يَعْبُدُونَ ؟﴾ فأجاب الملائكة و﴿قالُوا﴾ تنزيها له تعالى عن الشريك : ﴿سُبْحانَكَ﴾ وننزّهك من أن نعبد غيرك ﴿أَنْتَ وَلِيُّنا﴾ ومعبودنا وحافظ صلاحنا ﴿مِنْ دُونِهِمْ﴾ إذن كيف نلتفت إلى عبادتهم إيانا ، ونرضى بخضوعهم لنا ! إنّهم لم يكونوا يعبدوننا حقيقة ﴿بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَ﴾ والشياطين الآمرين لهم بالشّرك ، والمربين عنده عبادة غيرك ﴿أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ﴾ بقلوبهم ﴿مُؤْمِنُونَ﴾ وبتسويلاتهم يصدّقون ، وأنت المطّلع على ضمائر جميعهم. وقيل : إنّ ضمير الجمع في ( أكثرهم ) راجع إلى الإنس (١) . وقيل : إنّ الأكثر هنا بمعنى الكلّ (٢) .
﴿فَالْيَوْمَ﴾ أيّها الملائكة الذين كان المشركون يرجون شفاعتكم وخيركم ﴿لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ﴾ آخر منكم ، فكيف لغيركم من الإنس ، أو لبعض الإنس ﴿نَفْعاً وَلا ضَرًّا﴾ وقيل : إنّ الخطاب إلى الكفّار (٣)﴿وَنَقُولُ﴾ الله ﴿لِلَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ على الله بتضييع حقّه ، وعلى أنفسهم باختيار الكفر وتعريضها للعذاب : ﴿ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ﴾ في الدنيا ﴿بِها﴾ وبوعدها ﴿تُكَذِّبُونَ﴾ الرّسل.
﴿وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ
يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلاَّ إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ
إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ * وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ
قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ * وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا
رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٣) و (٤٥)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد حكاية تكذيب الامم السابقة رسلهم ، حكى تكذيب هذه الامّة خاتم النبيين صلىاللهعليهوآله بقوله : ﴿وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا﴾ القرآنية ودلائل التوحيد حال كونها ﴿بَيِّناتٍ﴾ وواضحات الدلالات على صدق الرسول ﴿قالُوا﴾ إنكارا لرسالة الرسول ما هذا الذي يدّعي الرسالة ﴿إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ﴾ ويصرفكم ( عن ) عبادة ما ﴿كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ﴾ من الأصنام في الأزمنة
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٧ : ١٣٧ ، تفسير روح البيان ٧ : ٣٠٣.
(٢) تفسير أبي السعود ٧ : ١٣٧.
(٣) تفسير الرازي ٢٥ : ٢٦٥ ، تفسير أبي السعود ٧ : ١٣٧.