ويزجركم عن القبائح ، ويعلّمكم المواعظ والحكم الكثيرة شيء ﴿مِنْ جِنَّةٍ﴾ وخفّة العقل يدعوه إلى دعوى النبوة وتحمّل أعباء الرسالة ، كما زعمتم ، فاذا علمتم أنّه أرجح أهل العالم عقلا ، وأنزههم نفسا ، وأصدقهم قولا ، وجب عليكم اتّباعه والايمان به ﴿أَنْ﴾ صاحبكم ، وما ﴿هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ﴾ ومخوّف ﴿لَكُمْ﴾ من ربكم ﴿بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ﴾ وقبل ابتلائكم به في الآخرة.
عن أمير المؤمنين عليهالسلام : « إنّ الله جلّ ذكره أنزل عزائم الشرائع وآيات الفرائض في أوقات مختلفة ، كما خلق السماوات والأرض في ستّة أيام ، ولو شاء أن يخلقها في أقلّ من لمح البصر لخلق ، لكنّه جعل الأناة (١) والمداراة مثالا لامنائه ، وإيجابا للحجّة على خلقه ، فكان أوّل ما قيّدهم به الاقرار بالوحدانية والربوبية والشهادة بأن لا إله إلّا الله ، فلمّا اقرّوا بذلك تلاه بالاقرار لنبيه بالنبوة ، والشهادة له بالرسالة ، فلمّا انقادوا لذلك فرض عليهم الصلاة ، ثمّ الصوم ، ثمّ الحجّ ، ثمّ الجهاد ، ثمّ الزكاة ، ثمّ الصدقات وما يجري مجراها من مال الفيء ، فقال المنافقون : هل بقي لربّك علينا شيء آخر يفرضه فتذكره لتسكن أنفسنا إلى أنه لم يبق غيره ؟ فأنزل الله في ذلك : ﴿قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ﴾ يعني الولاية » الخبر (٢) .
﴿قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ
شَهِيدٌ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٤٧) و (٤٨)﴾
ثمّ أمره سبحانه بتأمين قلوبهم من الطمع في أموالهم بقوله : ﴿قُلْ﴾ إن كنتم لا تؤمنون لخوفكم من طمعي في أموالكم ، فاعلموا أنّ ﴿ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ﴾ على رسالتي ﴿فَهُوَ لَكُمْ﴾.
قيل : لمّا نزل ﴿قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى﴾(٣) قال عليهالسلام :«لا تؤذوني في قرابتي» فلمّا سبّ الأصنام ، قال المشركون : ما أنصفنا محمد يسألنا أن لا نؤذيه في قرابته ، وهو يؤذينا بسبّ آلهتنا ! فنزلت هذه الآية (٤) . يعني إن شئتم آذوا قرابتي ﴿إِنْ أَجْرِيَ﴾ وما ثوابي ﴿إِلَّا عَلَى اللهِ﴾ لأنّ عملي له ﴿وَهُوَ﴾ على خلوص نيّتي مطّلع ، أو على رسالتي شاهد لأنّه ﴿عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾.
عن الباقر عليهالسلام في هذه الآية : « أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله سأل قومه أن يوادّوا أقاربه ولا يؤذوهم ، وأمّا قوله : ﴿فَهُوَ لَكُمْ﴾ يقول : ثوابه لكم » (٥).
وعنه عليهالسلام : « يعني أجر المودة التي لم أسألكم غيره فهو لكم ، تهتدون به ، وتنجون من عذاب يوم
__________________
(١) الأناة : الحلم والوقار.
(٢) الاحتجاج : ٢٥٤ ، تفسير الصافي ٤ : ٢٢٥.
(٣) الشورى : ٤٢ / ٢٣.
(٤) تفسير روح البيان ٧ : ٣٠٨.
(٥) تفسير القمي ٢ : ٢٠٤ ، تفسير الصافي ٤ : ٢٢٦.