فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ * وَالَّذِينَ
يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ
الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ
خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٣٩)﴾
ثمّ قرّر سبحانه ذلك ، وصرّح ببطلان زعمهم بقوله : ﴿وَما أَمْوالُكُمْ﴾ أيّها الناس ﴿وَلا أَوْلادُكُمْ﴾ التي تفتخرون وتفتنون بها ﴿بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ﴾ وتحبّبكم من الخصال ، أو الحسنات ﴿عِنْدَنا زُلْفى﴾ وقربة ومحبوبية موجبة للإكرام والثواب ﴿إِلَّا﴾ أموال ﴿مَنْ آمَنَ﴾ بما يجب الايمان به ﴿وَعَمِلَ﴾ عملا ﴿صالِحاً﴾ مرضيّا عند الله ، بانفاقها في سبيل الله ، وأولادهم بتعليمهم الخير وترغيبهم إليه وتربيتهم على الطاعة والصلاح. وقيل : يعني ولكن إيمان من آمن وعمل صالحا يقرّبه (١). ﴿فَأُولئِكَ﴾ المؤمنون الصالحون ﴿لَهُمْ﴾ في الآخرة ﴿جَزاءُ الضِّعْفِ﴾ وثواب عشرة أعمال فما فوق على عمل واحد ﴿بِما عَمِلُوا﴾ من الحسنات ﴿وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ﴾ والقصور العالية في الجنة ساكنون ، و﴿آمِنُونَ﴾ من زوال النّعم وسائر المكاره.
ثمّ أنّه صلىاللهعليهوآله بعد بيان حسن حال المؤمنين ، بيّن سوء حال الكفّار بقوله : ﴿وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي﴾ ردّ ﴿آياتِنا﴾ والطعن فيها بظنّ أنّهم يكونون ﴿مُعاجِزِينَ﴾ لنا عن تعذيبهم ف ﴿أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ﴾ وداخلون.
ثمّ بيّن سبحانه أنّ البسط والتضييق في الرزق يكون للمؤمنين أيضا بقوله : ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ﴾ البسط له ﴿مِنْ عِبادِهِ﴾ المؤمنين تارة ﴿وَيَقْدِرُ لَهُ﴾ ويضيّق عليه اخرى ابتلاء وحكمة ، فلا تخشوا الفقر بالانفاق حيث إنّ ما بذلتم ﴿وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ من أموالكم في سبيل الله ﴿فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾ ويعطيكم عوضا باقيا لكم في الآخرة ﴿وَهُوَ﴾ تعالى ﴿خَيْرُ﴾ الذين ترونهم ﴿الرَّازِقِينَ﴾ للخلق كالسلاطين والموالي وغيرهم ، حيث إنّه تعالى يرزق بلا منّة وتوقّع عوض.
﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَ هؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ * قالُوا
سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ *
فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ
النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (٤٠) و (٤٢)﴾
__________________
(١) تفسير مجمع البيان ٨ : ٦١٥ ، تفسير الرازي ٢٥ : ٢٦٢.