رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا
يَعْمَلُونَ (٣٣)﴾
ثمّ أردف سبحانه ذكر الرسالة بذكر المعاد الذي هو الأصل الثالث بقوله : ﴿وَيَقُولُونَ﴾ من فرط جهلهم بطريق الاستهزاء : يا محمد ، ويا أتباعه ، أنتم تعدوننا بمجيء القيامة ، فقولوا ﴿مَتى﴾ وفي أيّ وقت يكون إنجاز ﴿هذَا الْوَعْدُ﴾ ووقوعه ﴿إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ فيه ؟ ﴿قُلْ﴾ يا محمّد ، تهديدا لهم : اعلموا أيّها المنكرون للمعاد أنّ ﴿لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ﴾ عظيم ، ووعد وقت شديد كثير الأهوال ﴿لا تَسْتَأْخِرُونَ﴾ ذلك الموعود عن ذلك الوقت ، ولا تقدرون على تعويقه ﴿عَنْهُ ساعَةً﴾ ودقيقة ﴿وَلا تَسْتَقْدِمُونَ﴾ عليه.
ثمّ حكى عنهم إنكار جميع اصول الدين من التوحيد والرسالة والمعاد ، وجميع أحكام الله بقوله : ﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ عنادا وطغيانا : ﴿لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ﴾ الذي يدّعي محمد أنّه من الله ، ولا بما فيه من الاصول والفروع ﴿وَلا بِالَّذِي﴾ نزل ﴿بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ وقلبه.
ثمّ لمّا يأّسوا النبي صلىاللهعليهوآله من إيمانهم ، وعده سبحانه بأنّهم في القيامة في أذلّ أحوال الموقوفين للحساب بقوله : ﴿وَلَوْ تَرى﴾ يا محمد ، أو أيّها العاقل ﴿إِذِ﴾ الكفّار ﴿الظَّالِمُونَ﴾ على أنفسهم بإنكار المعاد ﴿مَوْقُوفُونَ﴾ ومحبوسون ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ وفي موقف حساب أعمالهم ﴿يَرْجِعُ﴾ ويرد ﴿بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ﴾ آخر منهم ﴿الْقَوْلَ﴾ ويجادل كلّ مع غيره ، لعجبت ممّا ترى.
ثمّ كأنه قيل : ما يقولون فقال سبحانه : ﴿يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا﴾ واستحقروا من السّفلة ﴿لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾ وتعظّموا عن عبادة الله والانقياد للأنبياء ، لرئاستهم وكثرة أموالهم : أيّها الرّؤساء ﴿لَوْ لا أَنْتُمْ﴾ وصدّكم لنا عن الايمان ﴿لَكُنَّا﴾ والله في الدنيا ﴿مُؤْمِنِينَ﴾ بالله ورسله ﴿قالَ﴾ الرّؤساء ﴿الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾ وتأنّفوا عن الايمان والتبعية للرسل ﴿لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا﴾ إنكارا لقولهم وردّا عليهم : ﴿أَ نَحْنُ صَدَدْناكُمْ﴾ ومنعناكم ﴿عَنِ﴾ قبول ﴿الْهُدى﴾ والايمان ﴿بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ﴾ الهدى ومقتضيه من الرسول والكتاب والمعجزات ، لا والله ﴿بَلْ كُنْتُمْ﴾ لخبث ذاتكم وانهماككم في الشهوات ﴿مُجْرِمِينَ﴾ وطاغين ﴿وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا :﴾ نعم ، أنتم صددتمونا عن الهدى ، ولكن لا بالاجبار والقهر ﴿بَلْ مَكْرُ﴾ كم في ﴿اللَّيْلِ وَالنَّهارِ﴾ وحيلكم في صرفنا عن اتّباع الحقّ ، صدّنا عنه ﴿إِذْ تَأْمُرُونَنا﴾ وترغّبوننا ﴿أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ﴾ تعالى ﴿أَنْداداً﴾ وشركاء.
ثمّ كلا الفريقين أضمروا ﴿وَأَسَرُّوا﴾ وأخفوا في قلوبهم ﴿النَّدامَةَ﴾ والحسرة على ما فعلا من الضلال والاضلال ، خوفا من التعيير ، أو عجزا عن الاظهار ﴿لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ﴾.