أولاد آدم من كونهم يغوون بإغوائه للواقع حيث دعاهم إلى الشرك والعصيان فأجابوه ، وأمرهم بها ﴿فَاتَّبَعُوهُ﴾ وأطاعوه ﴿إِلَّا فَرِيقاً مِنَ﴾ فرق ﴿الْمُؤْمِنِينَ﴾ وهم المخلصون منهم.
وقيل : إنّ ( من ) بيانية (١) والمراد إلّا فرقة المؤمنين.
وقيل : ظنّه أنه ناري وآدم طيني ، والنار تأكل الطين (٢) . أو ظنّه أنّ بني آدم مفسدون في الأرض (٣) . وقيل : إنّه ظنّ أنه يقدر على إغواء بني آدم فلمّا زيّن له الكفر والمعاصي ، وقبلوا منه واتّبعوه ، وجدهم كما ظنّ فيهم (٤).
ثمّ بيّن سبحانه أن إبليس ما قهرهم على العصيان بقوله : ﴿وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ﴾ شيء ﴿مِنْ سُلْطانٍ﴾ وقهر بحيث يسلب عنهم الاختيار ، وإنّما كان سلطنته عليهم بالوسوسة والإغواء ، ولم نجعل له هذه السلطنة ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ﴾ ونميّز ﴿مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ﴾ ويخاف عقابنا ﴿مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍ﴾ ولا يؤمن بها ولا يخاف من حسابها.
قيل : إنّ المراد بحصول العلم وجود متعلّقه (٥)﴿وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ﴾ من خصوصيات خلقه وأحوالهم وبواطنهم وظواهرهم ﴿حَفِيظٌ﴾ ومطّلع لا تخفى عليه خافية حتى يحتاج إلى الاستعلام.
عن الباقر عليهالسلام ، قال : « كان تأويل هذه الآية أنّه لمّا قبض رسول الله صلىاللهعليهوآله ، والظن من إبليس حين قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوآله : إنّه ينطق عن الهوى ، فظّن بهم إبليس ظنّا ، فصدّقوا ظنّه » (٦) .
وعن الصادق عليهالسلام : « لمّا أمر الله نبيّه صلىاللهعليهوآله أن ينصّب أمير المؤمنين عليهالسلام للناس في قوله : ﴿يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾(٧) في عليّ بغدير خمّ ، فقال : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، فجاءت الأبالسة إلى إبليس الأكبر وحثوا التّراب على رؤوسهم ، فقال لهم إبليس : ما لكم ؟ قالوا : إنّ هذا الرجل قد عقد اليوم عقدة لا يحلّها شيء إلى يوم القيامة. فقال لهم إبليس : كلا ، إنّ الذين حوله قد وعدوني فيه عدة لن يخلفوني ، فأنزل الله عزوجل : ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ﴾ » (٨) .
﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا
فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٧ : ١٣٠ ، تفسير روح البيان ٧ : ٢٨٧.
(٢) تفسير روح البيان ٧ : ٢٨٨.
(٣) تفسير أبي السعود ٧ : ١٣٠.
(٤) تفسير روح البيان ٧ : ٢٨٨.
(٥) تفسير أبي السعود ٧ : ١٣١.
(٦) الكافي ٨ : ٣٤٥ / ٥٤٢ ، تفسير الصافي ٤ : ٢١٨.
(٧) المائدة : ٥ / ٦٧.
(٨) تفسير القمي ٢ : ٢٠١ ، تفسير الصافي ٤ : ٢١٨.