عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ
قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٢٣)﴾
ثمّ لمّا بيّن سبحانه وخامة عاقبة الشّرك والكفران ، أمر نبيّه صلىاللهعليهوآله بإبطال مذهب الشّرك ، وتبكيت المشركين بقوله : ﴿قُلِ﴾ يا محمد ، للمشركين تهكّما ﴿ادْعُوا﴾ ونادوا الأصنام ﴿الَّذِينَ زَعَمْتُمْ﴾ وتوهّمتم أنّهم آلهة ﴿مِنْ دُونِ اللهِ﴾ وعبدتموهم فيما يهمّكم من جلب نفع أو دفع ضرّ حتى يجيبوكم ، كلا لا يقدرون على شيء من ذلك لأنّهم ﴿لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ﴾ من خير وشرّ ونفع وضرّ ، لا ﴿فِي السَّماواتِ﴾ السبع ﴿وَلا فِي الْأَرْضِ﴾ وليس لهم تصرّف فيهما ﴿وَما لَهُمْ فِيهِما﴾ خلقا وملكا وتصرّفا ﴿مِنْ شِرْكٍ﴾ ودخل ﴿وَما لَهُ﴾ تعالى ﴿مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ﴾ وعون كي يعجز عن إنفاذ إرادته عند تركهم المعاونة ، فان تتوقّعون شفاعتهم عند الله فاعلموا أنّه لا تفيد ﴿وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ﴾ من أحد لأحد ﴿عِنْدَهُ إِلَّا﴾ إذا كانت ﴿لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ في الشفاعة ﴿حَتَّى إِذا فُزِّعَ﴾ وازيل الخوف ﴿عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ بالاذن لهم في الشفاعة ، قام المذنبون المنتظرون لشفاعتهم و﴿قالُوا﴾ لهم : أيّها الشّفعاء ﴿ما ذا قالَ رَبُّكُمْ﴾ وأيّ شيء أوحى إليكم في شأن الشفاعة فأجابهم الشّفعاء و﴿قالُوا :﴾ قال ربنا القول ﴿الْحَقَ﴾ وهو الإذن في شفاعة المذنبين من المؤمنين دون غيرهم ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ والعظيم سلطانا ، فليس لأحد من أشراف الخلائق أن يتكلّم إلّا بإذنه.
وقيل : إنّ المراد من الفزع : الفزع الذي عند الوحي ، فانّ من في السماوات يفزعون عند نزول الوحي ، ثمّ يزيل الله عنهم الفزع ، فيقولون لجبرئيل : ماذا قال الله ؟ فيقول : قال الحقّ ، أي الوحي (١) .
عن الباقر عليهالسلام : « وذلك أنّ أهل السماوات لم يسمعوا [ وحيا ] فيما بين أن بعث عيسى بن مريم عليهالسلام إلى أن بعث محمد صلىاللهعليهوآله ، فلمّا بعث الله جبرئيل إلى محمد صلىاللهعليهوآله سمع أهل السماوات صوت وحي القرآن كوقع الحديد على الصفا ، فصعق أهل السماوات ، فلمّا فرغ من الوحي انحدر جبرئيل ، كلّما مرّ بأهل سماء فزّع عن قلوبهم. فقال بعضهم لبعض : ماذا قال ربّكم ؟ قالوا : الحقّ وهو العليّ الكبير» (٢) .
وقيل : إنّ الله تعالى يزيل الفزع عن القلوب وقت الموت ، فيعترف كلّ أحد بأنّ ما قال الله تعالى هو الحقّ ، فينفع ذلك القول من سبق ذلك منه في حياته (٣) .
وقيل : إنّ المراد الفزع من قيام الساعة ، لأنّ الوحي إلى محمد صلىاللهعليهوآله من أشراطها ، فاذا أوحي إليه فزّع أهل السماوات من قيام الساعة حتى إذا ازيل الفزع من قلوبهم قالوا لجبرئيل : ماذا قال ربّكم ؟ (٤)
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٥ : ٢٥٥.
(٢) تفسير القمي ٢ : ٢٠٢ ، تفسير الصافي ٤ : ٢١٩.
(٣) تفسير الرازي ٢٥ : ٢٥٥.
(٤) تفسير الرازي ٢٥ : ٢٥٥.