﴿وَاشْكُرُوا لَهُ﴾ على رزقكم ، فانّ لكم مضافا إلى أنواع الثّمار ﴿بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ﴾ من حيث الهواء والماء والأمان من الأعداء والمؤذيات ، تعيشون فيها في الدنيا ﴿وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾ لذنوبكم في الآخرة ﴿فَأَعْرَضُوا﴾ عن آياتنا ، ولم يعتنوا بها ، وعن شكر نعمنا ، فلم يؤدّوا حقّها بالقيام بالطاعة ﴿فَأَرْسَلْنا﴾ وأجرينا ﴿عَلَيْهِمْ﴾ وعلى بساتينهم وأموالهم ﴿سَيْلَ الْعَرِمِ﴾ والشديد. قيل : إنّ العرم اسم واد جاء منه السيل ، كما عن ابن عباس. أو قيل : إنه اسم السدّ الذي يحبس الماء بلغة حمير (١). وقيل : هو اسم الجرد الذّكر الذي أرسله الله ، فنقب عليهم ذلك السدّ (٢).
قيل : إنّه كان مسكن أولاد سبأ في حوالي بلدة مأرب بين الجبلين ، طوله ثمانية عشر فرسخا ، وكان لا يأتيهم الماء من مسيرة عشرة أيام حتى يجري بين الجبلين ، فجعلت بلقيس سدّا بين الجبلين من الأحجار والقار ، كي تجتمع فيه مياه الأمطار والعيون ، وجعلت له ثقوبا في أعلاه ووسطه وأسفله ، فاذا امتلأ السدّ فتحوا الثقوب العالية ، وسقوا مزارعهم وبساتينهم ، وإذا توسّطه الماء فتحوا الثقوب المتوسطة وهكذا ، فبعث الله ثلاثة عشر نبيا إلى ثلاث عشرة قرية من قراهم ، فدعوهم إلى الايمان والطاعة ، وذكّروهم نعم الله ، وخوّفوهم عذابه ، فكذبوهم وقالوا : ما تعرف له علينا من نعمة ، فقولوا لربّكم فليحبس عنّا هذه النّعمة إن استطاع ، فارسل الله الجرذ ، فخرّبوا السدّ ، فجاءهم السيل الذي لا يطاق ، وملأ ما بين الجبلين ، وحمل الجنّات وكثيرا من الناس ، وأغرق أموالهم ومواشيهم (٣).
القمي ، قال : إنّ البحر كان باليمن ، وكان سليمان أمر جنوده أن يجروا لهم خليجا من البحر العذب إلى بلاد الهند ، ففعلوا ذلك ، وعقدوا عقدة عظيمة من الصخر والكلس حتى يفيض على بلادهم ، وجعلوا للخليج مجاري ، فكانوا إذا أرادو أن يرسلوا منه الماء أرسلوه بقدر ما يحتاجون إليه ، وكانت لهم جنّتان عن يمين وشمال من مسيرة عشرة أيام ، فيها يمرّ المارّ لا تقع عليه الشمس من التفافهما ، فلمّا عملوا بالمعاصي وعتوا عن أمر ربّهم ، ونهاهم الصالحون فلم ينتهوا ، بعث الله عزوجل على ذلك السدّ الجرذ - وهي الفأرة الكبيرة - فكانت تقلع الصخرة التي لا تسقلّها الرجال ، وترمي بها ، فلمّا رأى ذلك قوم منهم هربوا وتركوا البلاد ، فما زال الجرذ يقلع الحجر حتى خرّبوا ذلك [ السدّ ] فلم يشعروا حتى غشيهم السيل ، وخرّب بلادهم ، وقلع أشجارهم ، وهو قوله تعالى : ﴿لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ﴾ إلى قوله : ﴿سَيْلَ الْعَرِمِ﴾ أي العظيم الشديد (٤) .
﴿وَبَدَّلْناهُمْ﴾ وعوضناهم ﴿بِجَنَّتَيْهِمْ﴾ اللتين كانتا عن اليمين والشمال ، وذاتي أشجار مثمرة نافعة
__________________
(١) تفسير روح البيان ٧ : ٢٨٣.
(٢) تفسير أبي السعود ٧ : ١٢٨.
(٣) تفسير روح البيان ٧ : ٢٨٣.
(٤) تفسير القمي ٢ : ٢٠٠ ، تفسير الصافي ٤ : ٢١٥.