وحكمنا بزهاق (١) روحه من جسده ومات ، بقي معتمدا على عصاه مدة مديدة ، لكيلا تتوانى جنوده من الجنّ والإنس في ما كلّفهم من الأعمال المقصودة له.
ثمّ ﴿ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ﴾ وما عرفهم به ﴿إِلَّا﴾ الأرضة التي هي ﴿دَابَّةُ الْأَرْضِ﴾ وحشراتها التي تأكل الخشب ، فكانت ﴿تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ﴾ وعصاه ﴿فَلَمَّا﴾ انكسرت و﴿خَرَّ﴾ وسقط سليمان عليهالسلام على الأرض ميتا ﴿تَبَيَّنَتِ الْجِنُ﴾ وظهرت لهم ﴿أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ﴾ لعلموا بموت سليمان حينه و﴿ما لَبِثُوا﴾ وما مكثوا بعد موته مدّة مديدة ﴿فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ﴾ والأعمال الشاقة التي كانوا يعملونها له بتسخيره وبأمره.
وقيل : يعني تبيّنت للإنس أنّ الجنّ لو كانوا يعلمون الغيب إلى آخره (٢) ، فانّ الإنس لمّا رأوا أنّ الجنّ يعلمون ما لا يعلمه الإنس ، ظنّوا أنّهم يعلمون الغيب ، فظهر بظهور جهلهم بموت سليمان عليهالسلام خطأ الإنس في ذلك الظنّ.
قيل : إنّه لمّا دنا أجل سليمان عليهالسلام لم يصبح إلّا ورأى في محرابه شجرة نابتة (٣) ، فكان يسألها من خواصها فتخبره بها ، وهو يخبر الأطبّاء بها ، ثمّ إنّه رأى في محرابه يوما حشيشا خشبا رطبا ، فسأله عن اسمه وخاصيّته ، فقال : أمّا اسمي فخرتوب (٤) ، وأمّا خاصيّتي فتخريب البيوت ، فانّي في أيّ بيت أنبت يخرب ذلك البيت ، فعلم سليمان عليهالسلام أنّه قد دنا أجله.
ثمّ أنّه لاقى ملك الموت ، فقال له : أخبرني بوقت موتي ، فجاءه يوما وقال : لم يبق من عمرك إلّا ساعة ، فأوص بما شئت ، فدعا الشياطين فبنوا عليه صرحا من قوارير ليس له باب ، فقام يصلّي ، وأجتمعت الشياطين حوله ، ولم يكن شيطان ينظر إليه في صلاته إلّا احترق ، فقبض عزرائيل روحه الشريف ، فبقي جسده قائما متكئا على عصاه سنة ، ولم يعلم أحد بموته ، ولا ينكرون عدم خروجه لطول صلاته قبل ذلك ، فلمّا أكلت الأرضة عصاه ، سقط على الأرض ، فمرّ شيطان به ، فلم يسمع صوته ، ثمّ رجع فلم يسمع صوته ، ثمّ نظر فاذا هو قد خرّ ميتا ، ففتحوا عنه ، فاذا العصا قد أكلتها الأرضة ، فأرادوا أن يعرفوا وقت موته فوضعوا الأرضة على العصا ، فأكلت منها في يوم وليلة مقدارا ، فحسبوا على ذلك النحو ، فوجدوه قد مات منذ سنة ، وكانوا يعملون بين يديه بظنّ أنه كان حيا.
ثمّ أنّ الشياطين قالوا للأرضة : لو كنت تأكلين الطعام أتيناك بأطيبه ، ولو كنت تشربين الشراب أسقيناك من أطيبه ، ولكن ننقل إليك الماء والطين ، فهم ينقلون إليها ذلك حيث كانت ، ألم تر إلى
__________________
(١) كذا ، والصواب : زهوق.
(٢) مجمع البيان ٨ : ٦٠١ ، تفسير روح البيان ٧ : ٢٧٨.
(٣) تفسير روح البيان ٧ : ٢٧٨.
(٤) كذا ، ولعله خرنوب ، أو خرّوب.