القمي رحمهالله ، قال : كان داود إذا مرّ بالبراري يقرأ الزّبور ، وتسبّح معه الجبال والطير والوحوش (١)﴿وَأَلَنَّا لَهُ﴾ كالشمع والعجين ﴿الْحَدِيدَ﴾ بحيث يصرّفه في يده كيف يشاء من غير إحماء بنار ، وقلنا له : ﴿أَنِ اعْمَلْ﴾ واصنع منه ﴿سابِغاتٍ﴾ ودروعا واسعة طويلة ﴿وَقَدِّرْ﴾ واقتصد ﴿فِي السَّرْدِ﴾ ونظم الحلق ونسجها بحيث تناسبت وتساوت في الدقّة والغلظ فلا تغلق ولا تحرق.
عن الرضا عليهالسلام : « الحلقة بعد الحلقة » (٢) . وقال القمي : المسامير التي في الحلقة (٣) .
قيل : إنّه عليهالسلام أوّل من اخترع الدرع ، وكان قبل ذلك صفائح حديد مضروبة (٤) .
روي أنّه عليهالسلام حين ملك بني إسرائيل كان يخرج متنكّرا ، فيسأل الناس ما يقولون في غيابه ، فبعث الله ملكا في صورة آدمي فسأله على عادته ، فقال الملك : نعم الرجل داود ، لو لا خصلة فيه : فسأله عنها ، فقال : إنه يأكل ويطعم عياله من بيت المال ، ولو أكل من عمل يده لتمّت فضائله. فعند ذلك سأل الله أن يسبّب له ما يستغني به عن بيت المال ، فعلّمه سبحانه صنعة الدرع ، فكان يعمل في كلّ يوم درعا ويبيعها بأربعة آلاف درهم ، أو بستة آلاف ، ينفق على نفسه وعياله ألفين ، ويتصدّق بالباقي على الفقراء (٥) .
وفي الحديث : « كان داود لا يأكل إلّا من كسب يده» (٦) .
وقيل : إنّ المراد من التقدير في السّرد أن لا يصرف جميع أوقاته فيه ، بل يصرف مقدارا تحصل به القوة ، ويصرف البقية في العبادة (٧) .
﴿وَ﴾ قلنا ﴿اعْمَلُوا﴾ يا داود وآله عملا ﴿صالِحاً﴾ خالصا لله ﴿إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ﴾ من العبادات ﴿بَصِيرٌ﴾ ومطّلع ، فأجازيكم عليها أحسن الجزاء.
﴿وَ﴾ سخّرنا ﴿لِسُلَيْمانَ﴾ بن داود ﴿الرِّيحَ﴾ وهي الصّبا على ما قيل (٨)﴿غُدُوُّها﴾ وسيرها من طلوع الشمس إلى الزوال ﴿شَهْرٌ﴾ ومقدار سير الراكب المسرع بين الهلالين ﴿وَرَواحُها﴾ وسيرها من الزوال إلى الغروب ﴿شَهْرٌ﴾ فكانت تسير في يوم واحد مسيرة شهرين للراكب.
القمي : كانت الريح تحمل كرسي سليمان ، فتسير به في الغداة مسيرة شهر ، وبالعشي مسيرة شهر (٩) .
﴿وَأَسَلْنا﴾ وأجرينا ﴿لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ﴾ والنّحاس المذاب كالماء الجاري من العين ، كما ليّنا لأبيه الحديد ، فكان يصنع منه كلّما أراد.
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ١٩٩ ، تفسير الصافي ٤ : ٢١١.
(٢) قرب الاسناد : ٣٦٤ / ١٣٠٥ ، تفسير الصافي ٤ : ٢١٢.
(٣) تفسير القمي ٢ : ١٩٩ ، تفسير الصافي ٤ : ٢١٢.
(٤) تفسير روح البيان ٧ : ٢٦٧.
(٥-٧) تفسير روح البيان ٧ : ٢٦٨.
(٨) تفسير روح البيان ٧ : ٢٦٩.
(٩) تفسير القمي ٢ : ١٩٩ ، تفسير الصافي ٤ : ٢١٢.