والانحراف ﴿الْبَعِيدِ﴾ عن الحقّ والصواب في الدنيا ، وهم لا يدركون حالهم في الدنيا ومآلهم في الآخرة ، ولو كان لهم عقل وإدراك لفهموا حقيقة حالهم ، ولما اجترءوا على إساءة مقالهم.
﴿أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ
بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ
مُنِيبٍ * وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ
* أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
* وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ
الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ
السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ
راسِياتٍ (٩) و (١٣)﴾
ثمّ وبّخهم سبحانه بعدم التفاتهم على كونهم محاطين بقدرة الله وفي قبضته الدالّ على توحيده تعالى بقوله : ﴿أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ﴾ بحيث لا يقدرون على الفرار منها.
ثمّ هدّدهم بقوله : ﴿إِنْ نَشَأْ﴾ تعذيبهم على كفرهم وسوء مقالهم ﴿نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ﴾ كما خسفناها بقارون ﴿أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً﴾ وقطعا من النار ﴿مِنَ السَّماءِ﴾ كما أسقطنا على قوم شعيب لتكذيبهم الآيات بعد ظهور البينات ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ﴾ النظر والفكر فيهما وفي إحاطتهما بالخلق ، أو ما تلي عليهم من الآية الناطقة بما ذكروا الله ﴿لَآيَةً﴾ ودلالة واضحة على التوحيد والمعاد ، ولكن لا للقاسية قلوبهم ، بل ﴿لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾ رجّاع إلى ربّه ، فانّه إذا تأمّل فيها ينزجر عن تعاطي القبيح من الشرك وإنكار المعاد.
ثمّ لمّا مدح العبد المنيب ذكر نعمه ولطفه على داود عليهالسلام المشهور بالانابة بقوله : ﴿وَلَقَدْ آتَيْنا﴾ وأعطينا ﴿داوُدَ﴾ النبي ﴿مِنَّا فَضْلاً﴾ ومزية على أقرانه من الأنبياء والأولياء لكثرة إنابته ، بأن قلنا للجبال التي في غاية الجمودة : ﴿يا جِبالُ أَوِّبِي﴾ وسبّحي مع داود ، ورجّعي بالتسبيح إذا سبّح ، أو سيري ﴿مَعَهُ وَ﴾ سخّرنا له ﴿الطَّيْرَ﴾ مع غاية نفوره من الانسان ، فكان الجبال والطير يسبّحن إذا سبّح داود عليهالسلام بحيث يسمع الناس تسبيحهما بلسان فصيح.