للضعفاء عن الاستدلال بها ﴿أُولئِكَ﴾ المسارعون بسبب جدّهم وسعيهم ذلك ﴿لَهُمْ﴾ في الآخرة عذاب كائن ﴿مِنْ﴾ جنس ﴿رِجْزٍ﴾ وسوء عذاب وشديده و﴿أَلِيمٌ﴾ غايته.
ثمّ بيّن قوّة إيمان أهل العلم ، وعدم تأثير سعيهم وكيدهم في تثبيطهم عن الايمان بقوله : ﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ بالكتب السماوية وأحوال الأنبياء وبياناتهم بعين القلب ونور العلم. القمي : هو أمير المؤمنين عليهالسلام (١)﴿الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ من النبوة والقرآن والأحكام والحكم ﴿هُوَ﴾ بالخصوص ﴿الْحَقَ﴾ الحقيق بالقبول ﴿وَيَهْدِي﴾ المصدّقين له ﴿إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ ودين الله الغالب المستحقّ للثناء والتمجيد ، أو الله المنتقم من المكذّبين ، والشكور على المصدقين ، ففي ذكر الوصفين ترهيب وترغيب.
وقيل : فيه ترغيب فقط ، فانّ سلوك صراط العزيز موجب للعزّ في الدارين ، وقربه سبب للكرامة في النشأتين (٢) .
﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي
خَلْقٍ جَدِيدٍ * أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ
فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (٧) و (٨)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ذكر إنكار الكفّار وردّهم بكونه مقدورا له ، وموافقا للحكمة الملزمة ، حكى سبحانه استهزاءهم بإخبار النبيّ صلىاللهعليهوآله به ، واستعجالهم منه بقوله : ﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بعضهم لبعض استهزاء بالنبيّ صلىاللهعليهوآله : يا قوم ﴿هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ﴾ يدّعي النبوة والرسالة من الله و﴿يُنَبِّئُكُمْ﴾ ويخبركم بأعجب الأعاجيب الذي لا يقول به عاقل وهو أنكم ﴿إِذا﴾ متّم و﴿مُزِّقْتُمْ﴾ وفرّقتم ﴿كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ وغاية التفرّق بأن صرتم ترابا ورفاتا ﴿إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ وتخلقون مرة اخرى ، وتحيون حياة ثانية لا ندري ﴿أَفْتَرى﴾ واختلق ﴿عَلَى اللهِ﴾ في إخباره هذا ﴿كَذِباً﴾ واضحا فظيعا ، إن قال ذلك مع شعور وقصد ﴿أَمْ بِهِ جِنَّةٌ﴾ ومرض زوال العقل ، يوهمه ذلك إن قال هذا القول من دون شعور وقصد.
ثمّ ردّهم الله بأن الأمر ليس كما زعموا ، فانّ محمدا صلىاللهعليهوآله مبّرأ من الافتراء والجنون ﴿بَلِ الَّذِينَ﴾ نسبوا أحد الأمرين إليه على سبيل منع الخلوّ أجهل الجهال وأسفه السّفهاء ، لأنّهم بسبب أنّهم ﴿لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ ولا يصدّقون دار الجزاء واقعون ﴿فِي الْعَذابِ﴾ الشديد في الآخرة ﴿وَالضَّلالِ﴾
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ١٩٨ ، تفسير الصافي ٤ : ٢١١.
(٢) الرازي ٢٥ : ٢٤٣.