ولكن أشفقن من العقوبة ، وعقلن ما جهل من هو أضعف منهنّ ، وهو الانسان ، إنّه كان ظلوما جهولا» (١) .
وعن القمي رحمهالله : الأمانة هي الإمامة والأمر والنهي - إلى أن قال - فالأمانة هي الإمامة ، عرضت على السماوات والأرض والجبال ﴿فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها﴾ أن يدّعوها ، أو يغصبوها من أهلها ﴿وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ﴾ يعني الأول ﴿إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾(٢) .
وعن الصادق عليهالسلام « الأمانة : الولاية ، والانسان : أبو الشرور المنافق » (٣) .
أقول : ما ذكر في رواياتنا تأويل قابل للنقل ، وقد ذكر كثير من العامة والخاصة لها تأويلات لا ينبغي نقلها ، لكونها من غير الراسخين في العلم.
﴿لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٧٣)﴾
ثمّ علّل سبحانه العرض أو الحمل بقوله : ﴿لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ﴾ الذين خانوا في الأمانة بعد قبولها ﴿وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ﴾ الذين عصوا ربّهم بردّها وعدم قبولها ، كذا قيل (٤)﴿وَيَتُوبَ اللهُ﴾ ويرجع بالرحمة وقبول التوبة ﴿عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ﴾ الذين قبلوا الأمانة وراعوها ، واهتمّوا بحفظها ، قيل : إنّ اللام لام العاقبة ، والمعنى كان عاقبة العرض على الانسان (٥) - أو عاقبة حملها - تعذيب الخائنين وإثابة الحافظين.
وإنّما ذكر قبول توبتهم للتنبيه بأنّهم لا يخلون من فرطات باقتضاء جبلّتهم وتداركهم لها بالتوبة والإنابة ، وذكر اسم الجليل أولا للتهويل وتربية المهابة ، وإعادتها في موضع الاضمار لاظهار مزيد الاعتناء بشأن المؤمنين وتفضيلهم.
ولمّا عبّر سبحانه عن تكاليفه بالأمانة ، قدّم ذكر تعذيب المنافقين والمشركين إشعارا بكون التعذيب من لوازم الخيانة في الأمانة دون الإثابة على الحفظ ، فانّها بالإحسان والتفضّل.
ثمّ لمّا وصف الانسان بكونه ظلوما جهولا ، وصف ذاته المقدّسة بقوله : ﴿وَكانَ اللهُ غَفُوراً﴾ وستورا لظلم الظالمين من المؤمنين على أنفسهم بالعصيان ﴿رَحِيماً﴾ بالخاطئين والمسيئين بجهالة حيث يقبل توبتهم ، ويثيبهم بما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر بقلب أحد.
__________________
(١) نهج البلاغة : ٣١٧ الخطبة ١٩٩ ، تفسير الصافي ٤ : ٢٠٧.
(٢) تفسير القمي ٢ : ١٩٨ ، تفسير الصافي ٤ : ٢٠٧.
(٣) معاني الأخبار : ١١٠ / ٢ ، تفسير الصافي ٤ : ٢٠٧.
(٤) تفسير روح البيان ٧ : ٢٥٦.
(٥) تفسير أبي السعود ٧ : ١١٨ ، تفسير روح البيان ٧ : ٢٥٦.