مخالفتها ﴿فَأَبَيْنَ﴾ وامتنعن ﴿أَنْ يَحْمِلْنَها﴾ ومن تحمّلها ، وقلن على ما قيل : يا رب ، نحن مسخّرات بأمرك ، لا نريد ثوابا ولا عقابا (١)﴿وَأَشْفَقْنَ مِنْها﴾ وخفن من العذاب المترتّب على مخالفتها جهلا بسعة الرحمة ، وعدم الاعتماد بحفظه وتأييده تعالى ، فانّ لكلّ موجود عقلا وإدراكا على مرتبة وجوده ﴿وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ﴾ وقبل مشقّة أداء حقّها عند عرضها عليه.
وقيل : إنّ عرض الأمانة من باب الفرض والتمثيل ، إيضاحا لعظم شأن تلك الأمانة ، والمعنى أنّ هاتيك الأجرام العظام التي هي مثل في الشدّة والقوّة ، لو كانت ذات شعور وإدراك ، وكلّفت بقبول تلك الأمانة ومراعاتها ، لأبين من قبولها ، وأشفقن منها ، لغاية عظمة شأنها وتكلّفها ، والتزم بها جنس الانسان مع ما فيه من ضعف البنية ورخاوة القوّة (٢) .
﴿إِنَّهُ﴾ بالجبلّة ﴿كانَ ظَلُوماً﴾ وكثير التعدّي على نفسه بارتكاب العصيان ﴿جَهُولاً﴾ بوخامة عاقبتها.
عن ابن مسعود ، أنّه قال : مثلت الأمانة كالصخرة الملقاة ، ودعيت السماوات والأرض والجبال إليها ، فلم يقربوا منها ، وقالوا : لا نطيق حملها ، وجاء آدم من غير أن دعي وحرّك الصخرة ، وقال : لو امرت بحملها لحملتها ، فقلن له : احمل فحملها إلى ركبتيه ، ثمّ وضعها وقال : لو أردت أن ازداد لزدت ، فقلن له : احمل فحملها إلى حقوه ، ثمّ وضعها وقال : لو أردت لزدت ، فقلن له : أحمل فحملها حتى وضعها على عاتقه ، فأراد أن يضعها ، فقال الله : مكانك ، فانّها في عنقك وعنق ذرّيتك إلى يوم القيامة(٣) .
وروي أنّ آدم قال : أحمل الأمانة بقوّتي أم بالحقّ ؟ فقيل : من يحملها يحمل بنا ، فانّ ما هو منّا لا يحمل إلّا بنا (٤).
وروي أنّ عليا عليهالسلام إذا حضر وقت الصلاة يتململ ويتزلزل ويتلوّن ، فيقال له : مالك يا أمير المؤمنين ؟ فيقول : « جاء وقت الصلاه ، وقت أمانة عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها » (٥) .
وفي ( النهج ) في وصايا أمير المؤمنين عليهالسلام للمسلمين : « ثمّ أداء الأمانة ، فقد خاب من ليس أهلها ، إنّها عرضت على السماوات المبنية ، والأرض المدحية ، المدحوة والجبال ذات الطول المنصوبة ، فلا أطول ولا أعرض ولا أعلى ولا أعظم منها ، ولو امتنع شيء ذو طول أو عرض أو قوة أو عزّ لا متنعن،
__________________
(١) تفسير البيضاوي ٢ : ٢٥٤ ، تفسير روح البيان ٧ : ٢٥٢.
(٢) تفسير أبي السعود ٧ : ١١٨ ، تفسير روح البيان ٧ : ٢٥٢.
(٣) تفسير روح البيان ٧ : ٢٥٣.
(٤) تفسير روح البيان ٧ : ٢٥٣.
(٥) عوالي اللآلي ١ : ٣٢٤ / ٦٢ ، تفسير الصافي ٤ : ٢٠٨.