قتالهم وإجلائهم ، ولنأمرنّك بأخذهم واستئصالهم ﴿ثُمَ﴾ بعد الإغراء ﴿لا يُجاوِرُونَكَ﴾ ولا يساكنونك ﴿فِيها﴾ في بلدك ﴿إِلَّا﴾ زمانا أو جوارا ﴿قَلِيلاً﴾ يتهيّأون فيه للخروج والفرار ، أو يتبيّن فيه حالهم من الانتهاء وعدمه ، وهم في حال خروجهم أو في الزمان القليل الذي يجاورونك يكونون ﴿مَلْعُونِينَ﴾ ومطرودين من رحمة الله ، ومن جوارك ﴿أَيْنَما﴾ وفي أيّ مكان ﴿ثُقِفُوا﴾ ووجدوا ﴿أُخِذُوا﴾ بالقهر ﴿وَقُتِّلُوا﴾ بالسيف ﴿تَقْتِيلاً﴾ فضيعا مقرونا بالذلّة والهوان ، وليس ذلك الاغراء وما يتبعه بدعا لكم، بل يكون ﴿سُنَّةَ اللهِ﴾ وعادته المستمرّة ﴿فِي﴾ الامم ﴿الَّذِينَ خَلَوْا﴾ ومضوا من الدنيا ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ وفي الأزمنة السابقة ﴿وَلَنْ تَجِدَ﴾ يا محمد ﴿لِسُنَّةِ اللهِ﴾ وعادته المستمرّة من بدو خلق آدم إلى الآن ﴿تَبْدِيلاً﴾ وتغييرا ، لكونها على أساس الحكمة التي يدور عليها فلك التكوين والتشريع ، أو المراد أنّه لا يقدر أحد على تبديلها.
﴿يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ
تَكُونُ قَرِيباً * إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا
يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا
اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا * وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا
* رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (٦٣) و (٦٨)﴾
ثمّ لمّا كان ممّا يؤذي النبيّ صلىاللهعليهوآله السؤالات الاستهزائية التعنّتية منه ، وكان منها سؤال الكفّار عن وقت القيامة استهزاء وتعنتا ، حكاه سبحانه توطئة لتهديد مؤذيه من الكفار بقوله : ﴿يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ﴾ وقت قيام ﴿السَّاعَةِ﴾ ومجيئ يوم القيامة.
قيل : كان المشركون يسألون عنه ويستعجلونه استهزاء وتعنّتا ، وأهل الكتاب امتحانا ، لعلمهم بخفائه من جميع الخلق (١) ، فأمره الله بجوابهم بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمد ، في جوابهم : ﴿إِنَّما عِلْمُها﴾ العلم بها ﴿عِنْدَ اللهِ﴾ وحده ، لا يطلع عليها أحدا من خلقه حتى الأنبياء والمرسلين وملائكته المقربين ﴿وَما يُدْرِيكَ﴾ وأي شيء يعلمك بوقت قيامها غير الله ؟ وقد أخفاه منك لحكمة بالغة ، وليس من شرط النبيّ أن يعلم ما اقتضت الحكمة اختصاص علمه به تعالى.
ثمّ بيّن احتمال قربها تهويلا لهم بقوله : ﴿لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ﴾ شيئا ﴿قَرِيباً﴾ فلا تستعجلوه.
روي أنّه إذا هبّت ريح شديدة تغيّر لونه صلىاللهعليهوآله ، وقال : « تخوّفت الساعة » وقال : « ما أمدّ طرفي ولا
__________________
(١) تفسير روح البيان ٧ : ٢٤٣.