أغمضه إلّا وأظنّ الساعة قد قامت» (١) ولعلّ المراد من الساعة في الحديث الموت ، فانّه الساعة الصغرى ، كما روي « أنّ من مات فقد قامت قيامته» (٢).
ثمّ ذمّ الكفّار وأوعدهم بأشدّ العذاب بقوله : ﴿إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ﴾ وأبعدهم من ساحة الرحمة في الدارين ﴿وَأَعَدَّ﴾ وهيّأ ﴿لَهُمْ﴾ في الآخرة ﴿سَعِيراً﴾ ونارا موقدة حال كونهم ﴿خالِدِينَ﴾ ومقيمن ﴿فِيها أَبَداً﴾ دائما ، لأنّهم لا يقدرون على الخروج منها و﴿لا يَجِدُونَ﴾ لأنفسهم ﴿وَلِيًّا﴾ ومحبّا يشفع في نجاتهم ﴿وَلا نَصِيراً﴾ ومعينا يخلّصهم منها بقوّته وقدرته ، ويكون حالهم هذا ﴿يَوْمَ تُقَلَّبُ﴾ وتصرّف ﴿وُجُوهُهُمْ﴾ التي هي أشرف وأعزّ أعضائهم ﴿فِي النَّارِ﴾ من جهة إلى جهة كاللّحم الذي يراد أن يشوى في النار ، أو المراد تتغير وجوههم من حال الحسن إلى حال القبح ، ومن البياض إلى السواد.
ثمّ كأنّه قيل : ما يقولون في تلك الحالة ؟ فقال سبحانه : ﴿يَقُولُونَ﴾ تحسّرا وتندّما : ﴿يا﴾ أهل النار ﴿لَيْتَنا﴾ في الدنيا ﴿أَطَعْنَا اللهَ﴾ في أحكامه ﴿وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا﴾ في أمره بالايمان والنّصرة ، فلن نبتلي بذلك العذاب الشديد ، ولا تنفعهم الندامة ﴿وَقالُوا﴾ اعتذارا من كفرهم وعصيانهم : ﴿رَبَّنا إِنَّا﴾ لو خلّينا وأنفسنا لم نكن نكفر ونعصي بل ﴿أَطَعْنا سادَتَنا﴾ ورؤساء أقوامنا ﴿وَكُبَراءَنا﴾ وأشرافنا الذين أمرونا بالكفر والعصيان ﴿فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا﴾ وصرفونا عن طريق الحقّ ودين الاسلام بما زيّنوا لنا الشّرك ومخالفة الرسول.
ثمّ كرّروا النداء وقالوا : ﴿رَبَّنا﴾ مبالغة في إجابة استدعائهم بقوله : ﴿آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ﴾ ومثلي ما آتيتنا ﴿مِنَ الْعَذابِ﴾ لضلالهم وإضلالهم ﴿وَالْعَنْهُمْ﴾ واطردهم من ساحة رحمتك ﴿لَعْناً كَبِيراً﴾ وطردا شديدا لا يتعقّبه القرب والرجوع إليها.
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ
عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً (٦٩)﴾
ثمّ نصح الله سبحانه المظهرين للاسلام ووعظهم بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بمحمد صلىاللهعليهوآله بألسنتهم ﴿لا تَكُونُوا﴾ في إيذاء رسولكم ﴿كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى﴾ من قومه الذين آمنوا به ، كقارون وأتباعه وغيرهم من بني إسرائيل ، حيث اتّهموه بالزنى ﴿فَبَرَّأَهُ اللهُ﴾ ونزّهه ﴿مِمَّا قالُوا﴾ ونسبوا إليه.
روي أنّ قارون دفع إلى زانية مالا عظيما على أن تقول على رأس الملأ من بني إسرائيل : إنّي حامل
__________________
(١) تفسير روح البيان ٧ : ٢٤٣.
(٢) تفسير روح البيان ٨ : ٣٨٧.