جَلابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥٩)﴾
ثمّ لمّا كان من أنحاء إيذاء المؤمنين والمؤمنات تعرّض المنافقين وأهل الفجور للمؤمنات في الطّرق ، وإيذاؤهنّ باحتمال أنّهنّ من الإماء الزانيات ، كما مرّ ، أمر الله سبحانه النبي صلىاللهعليهوآله بأن يأمرهنّ بالتحجّب بقوله : ﴿يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ﴾ اللّاتي هنّ في حبالة نكاحك ﴿وَبَناتِكَ﴾ وهنّ على ما قيل : زينب ، ورقية ، وأمّ كلثوم ، وفاطمة عليهاالسلام (١) ﴿وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ بك في المدينة : إنّهنّ ﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَ﴾ ويقرّبن إليهنّ بعضا ﴿مِنْ جَلَابِيبِهِنَ﴾ وأثوابهنّ التي هي أوسع من الخمار ، ويغطين بها وجوههنّ وأبدانهنّ حين الخروج من بيوتهنّ ، ولا يخرجن مكشّفات الوجوه كالإماء ﴿ذلِكَ﴾ التغطّي وإدناء الجلباب ﴿أَدْنى﴾ وأقرب إلى ﴿أَنْ يُعْرَفْنَ﴾ بالحرية والعفّة ، ويميّزن من الإماء والفتيات اللاتي يكنّ مقصودات بالتعرّض ومتوقّعات للزنا ﴿فَلا يُؤْذَيْنَ﴾ أولئك المؤمنات من جهة أهل الفجور بالتعرّض بهنّ في الطريق ﴿وَكانَ اللهُ غَفُوراً﴾ لما سلف من التفريط وترك التستّر ﴿رَحِيماً﴾ وعطوفا بعباده حيث يراعي راحتهم وصلاحهم في جميع امورهم التي منها تعفّف نسائهم وحفظ نواميسهم ، أو ذلك التنبيه أدنى أن يعرفن بالقدر والمنزلة عند الله ، فلا يؤذين بالأطماع الفاسدة والأهواء الكاسدة والأقوال الكاذبة ، وكان الله غفورا لهنّ ، وستورا لذنوبهنّ ، رحيما بهنّ باعلاء درجتهنّ في الآخرة.
﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ
لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاَّ قَلِيلاً * مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا
وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً * سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ
تَبْدِيلاً (٦٠) و (٦٢)﴾
ثمّ هدّد سبحانه المنافقين المؤذين للنبي صلىاللهعليهوآله وأهل الفجور المؤذين للمؤمنات والناشرين للأخبار الكاذبة الموحشة ، أو المزرية بالمؤمنين بقوله : ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ﴾ ولم يرتدع ﴿الْمُنافِقُونَ﴾ عن إيذاء النبي صلىاللهعليهوآله والمؤمنين ﴿وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ الشكّ والرغبة إلى الفجور عن التعرّض لنساء المؤمنين ﴿وَالْمُرْجِفُونَ﴾ والمزلزلون لقلوب المسلمين بنشر الأخبار الكاذبة الموحشة ﴿فِي الْمَدِينَةِ﴾ كالإخبار بانهزام سرايا المسلمين وقتلهم وأسرهم ، والإخبار بما فيه إزراء بالمؤمنين والمؤمنات ، ونظائرها عما هم عليه من الأعمال والأقوال ، والله ﴿لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ﴾ ولنهيجنّك إلى
__________________
(١) تفسير روح البيان ٧ : ٢٤٠.