النفسانية والهواجس الشيطانية ﴿وَقُلُوبِهِنَ﴾ فانّ الرجل والمرأة إذا لم ير أحدهما الآخر لم يقع في قلبه شيء ، بخلاف ما إذا رأى ، فانّه لا يؤمن أحد على نفسه من الخواطر السيئة.
عن عائشة : أنّ أزواج النبي صلىاللهعليهوآله كنّ يخرجن الليل لحاجتهنّ ، فخرجت سودة بنت زمعة ليلة من الليالي عشيا ، وكانت امرأة طويلة ، فناداها عمر : ألا قد عرفناك يا سودة ، فأنزل الله آيه الحجاب (١) .
أقول : لا شبهة أنّ في ندائه هذا إيذاء النبيّ صلىاللهعليهوآله فنهى الله عنه بقوله : ﴿وَما كانَ﴾ يصحّ ويستقيم ﴿لَكُمْ﴾ أيّها المسلمون ﴿أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ﴾ بالتعرّض لأزواجه في حياته ﴿وَلا أَنْ تَنْكِحُوا﴾ أو تتزوّجوا ﴿أَزْواجَهُ﴾ اللّاتي هنّ امهاتكم ﴿مِنْ بَعْدِهِ﴾ وبعد وفاته ﴿أَبَداً﴾ وآخر الدهر ، فانّ في نكاحهن توهينه صلىاللهعليهوآله ، وإيذاء له ، ومخالفة لجعلهنّ امّهاتكم من غير فرق بين المدخول بها والمطلّقة وغيرها ، لصيرورتها بالعقد امّا للمؤمنين.
وروى العامة أنّ سبب نزولها أنّ طلحة بن عبيد الله قال : لئن مات محمد لأتزوّجن عائشة (٢) . وفي رواية قال : تزوّج محمد بنات عمّنا ويحجبهنّ عنّا ! والله لئن مات لأتزوّجن عائشة (٣) ، فنزل ﴿وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ﴾ إلى قوله : ﴿إِنَّ ذلِكُمْ﴾ المذكور من إيذائه وتزويج أزواجه ﴿كانَ عِنْدَ اللهِ﴾ ذنبا ﴿عَظِيماً﴾ وإثما كبيرا لا أعظم منه ولا أكبر.
﴿إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٥٤)﴾
ثمّ بالغ في التهديد عليهما بقوله : ﴿إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً﴾ وتظهروا قصد نكاحهنّ وإيذاءه ، وإيذاء أولاده وأقاربه الذي هو إيذاؤه ﴿أَوْ تُخْفُوهُ﴾ في صدوركم وتسرّوه في قلوبكم ﴿فَإِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ﴾ ممّا تظهروه أو تخفوه ﴿عَلِيماً﴾ وعليه مجازيكم.
والقمي ، قال : كان سبب نزولها أنّه لمّا أنزل الله ﴿النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ﴾ وحرّم الله نساء النبي صلىاللهعليهوآله على المسلمين ، غضب طلحة فقال : يحرّم محمد علينا نساءه ويتزوّج هو بنسائنا ، لئن أمات الله محمدا لنركضنّ بين خلاخيل نسائه كما ركض بين خلاخيل نسائنا ، فأنزل الآية(٤).
وفي رواية : لمّا قبض رسول الله ، وولي الناس أبو بكر ، أتته العامرية والكندية ، وهما مطلّقتا رسول الله صلىاللهعليهوآله قبل الدخول ، وقد خطبتنا ، فاجتمع أبو بكر وعمر وقالا لهما : اختارا إن شئتما الحجاب ، وإن
__________________
(١) تفسير روح البيان ٧ : ٢١٥.
(٢) تفسير روح البيان ٧ : ٢١٦.
(٣) تفسير روح البيان ٧ : ٢١٦.
(٤) تفسير القمي ٢ : ١٩٥ ، تفسير الصافي ٤ : ١٩٩.