الدخول إلى الطعام من باب النهي عن قول ( اف ) المستلزم للنهي عن الضرب (١) .
عن الصادق عليهالسلام : « كان جبرئيل إذا أتى رسول الله صلىاللهعليهوآله قعد بين يديه قعدة العبد ، وكان لا يدخل حتى يستأذن » (٢) .
ثمّ لمّا كان النهي عن الدخول بغير إذن ربّما يوجب التأذّى والقطع بحيث لا يدخل بعض المنافقين أصلا ولو بالدعوة (٣) ، أدرك إيجاب الدخول مع الدعوة بقوله : ﴿وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ﴾ إلى طعام ﴿فَادْخُلُوا﴾ وجوبا حفظا لحرمة النبي صلىاللهعليهوآله وطاعته ﴿فَإِذا طَعِمْتُمْ﴾ وأكلتم الغذاء ﴿فَانْتَشِرُوا﴾ وتفرّقوا وأنتم غير ماكثين لدرك حظّ حضور النبي صلىاللهعليهوآله ﴿وَلا مُسْتَأْنِسِينَ﴾ بعضكم مع بعض ﴿لِحَدِيثٍ﴾ تتحدّثون به ﴿إِنَّ ذلِكُمْ﴾ الاستئناس بعد الأكل المستلزم لإطالة الجلوس ﴿كانَ يُؤْذِي النَّبِيَ﴾ ويؤلم قلبه الشريف ، لتضييق المنزل عليه وعلى أهله ، واشتغاله فيما لا يعينه ﴿فَيَسْتَحْيِي﴾ وينفعل ﴿مِنْكُمْ﴾ أن يقول لكم : قوموا وأخرجوا ﴿وَاللهُ﴾ يأمركم بالخروج من منزله ، وينهاكم عن الاستئناس وإطالة الجلوس عنده ، و﴿لا يَسْتَحْيِي مِنَ﴾ قول ﴿الْحَقِ﴾ ولا يرى على نفسه فيه عيبا.
روى الفخر : أن بعض الصحابة أطال الجلوس والمكث يوم وليمة النبيّ صلىاللهعليهوآله في عرس زينب بنت جحش ، ولم يقل النبي صلىاللهعليهوآله له شيئا ، فنزلت الآية (٤).
وقال القمي : لمّا تزوّج رسول الله صلىاللهعليهوآله بزينب بنت جحش ، وكان يحبّها ، فأولم ودعا الصحابة ، وكان أصحابه إذا أكلوا يحبّون أن يتحدّثوا عند رسول الله صلىاللهعليهوآله وكان يحبّ أن يخلو ، فأنزل الله عزوجل هذه الآية ، وكانوا يدخلون عليه بلا إذن (٥).
﴿وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ
وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ
أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً (٥٣)﴾
ثمّ بيّن الله أدب المكالمة مع أزواجه وطلب الماعون منهنّ عند الحاجة بقوله : ﴿وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَ﴾ وطلبتم منهن ﴿مَتاعاً﴾ وماعونا تنتفعون به ﴿فَسْئَلُوهُنَ﴾ ذلك المتاع والماعون ﴿مِنْ وَراءِ حِجابٍ﴾ وخلف السّتر ، فانّ الصحابة قبل نزول الآية كانوا لا يبالون أن يدخلوا عليهنّ بغير حجاب ، فنهى الله عنه وعلّله بقوله : ﴿ذلِكُمْ﴾ السؤال من وراء الحجاب ﴿أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ﴾ من الخطورات
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٥ : ٢٢٤.
(٢) علل الشرائع : ٧ / ٢ ، تفسير الصافي ٤ : ١٩٩.
(٣) في النسخة : بالدعاء.
(٤) تفسير الرازي ٢٥ : ٢٢٥.
(٥) تفسير القمي ٢ : ١٩٥ ، تفسير الصافي ٤ : ١٩٩.