وقيل : إنّ النّذر استعير للموت ؛ لأنّ الموت كنذر لازم في عنق كلّ حيّ (١) .
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ﴾ قضاء نذره ، ويتوقّع وصول الشهادة إليه مع شدّة اشتياقه إليها ، كأمير المؤمنين عليهالسلام فانّ الله أخّر شهادته إلى الوقت المعلوم الذي أخبره الرسول صلىاللهعليهوآله به.
روى الحاكم باسناده عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنه قال : « فينا نزلت ﴿رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ﴾ وأنا والله المنتظر» (٢) ونسب العلامة في ( نهج الحق ) نزوله في عليّ عليهالسلام إلى العامة (٣) .
وعن الباقر عليهالسلام في قوله : ﴿رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ﴾ قال : « لا يفرّوا أبدا ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ﴾ أي أجله وهو حمزة وجعفر بن أبي طالب ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ﴾ أجله يعني علياعليهالسلام » (٤).
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام - في حديث له مع يهودي - قال : « ولقد كنت عاهدت الله ورسوله أنا وعمّي حمزة وأخي جعفر وابن عمّي عبيدة على أن نستشهد (٥) لله تعالى ولرسوله ، فتقدّمني أصحابي وتخلّفت بعدهم لما أراد الله تعالى ، فأنزل الله فينا : ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا﴾ » الآية (٦)﴿وَما بَدَّلُوا﴾ عهدهم وما غيّروه ﴿تَبْدِيلاً﴾ يسيرا بخلاف المنافقين فانّهم بدّلوا عهدهم تبديلا كثيرا ، ونقضوا نقضا واضحا.
ردّ بعض العامة
أقول : ومن العجب أنّ بعض العامة قال : ومن ينتظر كعثمان وطلحة وغيرهما (٧) ، فانّهم مستمرّون على نذورهم ، وقد قضوا بعضها وهو الثبات مع الرسول صلىاللهعليهوآله ومنتظرون قضاء بعضها وهو القتال إلى الموت شهداء ، مع أنّ الظاهر انتظار الشهادة في سبيل الله ، ولم يرزقوا ، لأنّ عثمان قتل في سبيل هواه بيد أصحاب الرسول صلىاللهعليهوآله ، وطلحة قتل لمشاقّته مع إمام زمانه بيد أصحاب خليفة الرسول.
وعن الصادق عليهالسلام : « المؤمن مؤمنان : مؤمن صدق بعهد الله ووفى بشرطه ، وذلك قول الله عزوجل : ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ﴾ وذلك الذي لا تصيبه أهوال الدنيا ولا أهوال الآخرة ، وذلك ممّن يشفع ولا يشفع له » الخبر (٨) .
وعنه عليهالسلام ، قال : « لقد ذكركم الله في كتابه فقال : ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا﴾ الآية ، إنّكم وفيتم بما أخذ الله عليه ميثاقكم من ولايتنا ، وإنّكم لمّا تبدّلوا بنا غيرنا » (٩) .
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٧ : ٩٨.
(٢) مجمع البيان ٧ : ٥٤٩ ، تفسير الصافي ٤ : ١٨١.
(٣) نهج الحق : ١٩٦ / ٤٢ ، شواهد التنزيل ٢ : ١ / ٦٢٧.
(٤) تفسير القمي ٢ : ١٨٨ ، تفسير الصافي ٤ : ١٨٠.
(٥) في الخصال وتفسير الصافي : على أمر وفينا به.
(٦) الخصال : ٣٧٦ / ٥٨ ، تفسير الصافي ٤ : ١٨٠.
(٧) تفسير البيضاوي ٢ : ٢٤٣ ، تفسير أبي السعود ٧ : ٩٨.
(٨) الكافي ٢ : ١٩٣ / ١ ، تفسير الصافي ٤ : ١٨١.
(٩) الكافي ٨ : ٣٤ / ٦ ، تفسير الصافي ٤ : ١٨١.